وكررت هذه الحقيقة وأكدت في آياتها بصور شتى ؛ فذكرت أن البعث حق ، وأن الله بيده الخلق ، والأمر ، والبدء ، والإعادة ، والحساب ، والجزاء قال تعالى :
(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) [الآية ١٢].
وقال سبحانه :
(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (١٦٤).
وقد استدلّ القرآن في قضية البعث والجزاء ، بعديد من الأدلّة ، منها أن الحكمة والعدل يقضيان بالحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، كما يقضيان بأن ينال المحسن إحسانه ، والمسيء إساءته حتى يطهر المسيء من دنس النفس ويكون أهلا لرحمة الله الكاملة ، وهذان شأنان هامّان ، إذ كثيرا ما يرتحل الناس عن الدنيا دون أن يسهل طريق النقاء لمن دسّى نفسه ، ودون أن يعرفوا الحق فيما اختلفوا فيه ؛ وإذا فلا بد من دار أخرى يلقى الإنسان فيها الجزاء أمام حاكم عادل ، عليم خبير بكل ما قدّم الإنسان.
وقد تعرّض أحد القضاة الفرنسيين لتاريخ القضاء في فرنسا ، وأصدر كتابا ذكر فيه عددا من الحالات ، حكم فيها بالإعدام أو الإدانة على متّهمين ، ثم برّأتهم الأيّام والحقائق ؛ وأحصى عددا من الحالات ، برّأ القضاء فيها متّهمين ثم أثبتت الأيام وحقائق الأحداث أنّهم مدانون.
ثم عقّب القاضي بقوله : إنه لا بدّ من جزاء وحساب أمام قاض آخر ، لا تخفى عليه خافية ولا تغيب عنه حادثة ، في دار أخرى ، ليعوّض الناس عن أخطاء القضاء في الدنيا ، وليكون حكمه فيصلا ومنصفا للمظلومين ، ورادعا للمجرمين ، وفي القرآن الكريم آيات عدة تؤكد هذا المعنى ، قال تعالى :
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٤) [يونس].
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُو ا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٢١) [الجاثية].
(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣٢).