لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (٧٩)ولا يحسن من الحي مخاطبة الميت لعدم الفائدة؟
قلنا : هذا مستعمل في العرف ، فإن من نصح إنسانا فلم يقبل منه حتى قتل أو صلب ومرّ به ناصحه ، فإنه يقول له : كم نصحتك يا أخي فلم تقبل حتّى أصابك هذا. وفائدة هذا القول ، حثّ السامعين له على قبول النصيحة ممّن ينصحهم ، لئلّا يصيبهم ما أصاب المنصوح الذي لم يقبل النصيحة ، حتّى هلك.
فإن قيل : لم قال شعيب (ع) كما ورد في التنزيل (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) [الآية ٨٥] وهم ما زالوا كافرين مفسدين لا مصلحين؟
قلنا : بعد أن أصلحها الله تعالى ، بالأمر بالعدل ، وإرسال الرسل. وقيل معناه بعد أن أصلح الله تعالى أهلها ، بحذف المضاف. وقيل معناه بعد الإصلاح فيها : أي بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء ، وأتباعهم العاملين بشرائعهم ، فإضافته كاضافة قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] يعني بل مكرهم في الليل والنهار.
فإن قيل : كيف خاطبوا شعيبا (ع) بالعود في الكفر بقولهم كما ورد في التنزيل : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الآية ٨٨] وهو أجابهم (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) [الآية ٨٩] وهو لم يكن في ملّتهم قط ، لأن الأنبياء (ع) لا يجوز عليهم شيء من الكبائر خصوصا الكفر؟
قلنا : العرب تستعمل عاد بمعنى صار ابتداء ، ومنه قوله تعالى (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩). الثاني ، أنه قيل ذلك على طريق تغليب الجماعة على الواحد ، باشتمال الكلام على الذين آمنوا منهم بعد كفرهم ، وبجعلهم عائدين جميعا ، إجراء للكلام على حكم التغليب ؛ وعلى ذلك أجرى شعيب (ع) جوابه.
فإن قيل : لم ورد على لسان فرعون (فَأْتِ بِها) بعد (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) [الآية ١٠٦]؟
قلنا : معناه إن كنت جئت بآية من عند الله ، فأتني بها : أي أحضرها عندي.
فإن قيل : لم قال تعالى (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١٠٩) وفي سورة الشعراء (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ