عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الآية ٢٩] استعارة. لأن الوجه لا يصحّ عليه القيام. والمعنى : «فوجّهوا وجوهكم عند كل مسجد». ويجوز أن يكون معنى ذلك : «فتوجّهوا بجملتكم نحو كل مسجد». لأن وجه الشيء عبارة عن جملته.
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) [الآية ٤٠] استعارة. والمراد لا يصلون إلى الجنة ولا يتسهّل لهم السبيل إليها ، ولا يستحقّون بأعمالهم الدخول إليها. ومثل ذلك قوله سبحانه : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) (١١) [القمر] أي سهّلنا خروجه من السماء إلى الأرض ، ورفعنا الحواجز بينه وبين الخلق.
وقوله تعالى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الآية ٤١] وهذه استعارة. وقد مضى في (آل عمران) إلّا أنّ الزيادة هاهنا قوله سبحانه : (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) فكأنه جعل لهم من النار أمهدة مفترشة وأغشية مشتملة ، فيكون استظلالهم بحرها ، كاستقرارهم على جمرها. نعوذ بالله من ذلك.
وقوله سبحانه : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [الآية ٤٣]. وهذه استعارة. لأنه ليس هناك شيء يتأتّى نزعه على الحقيقة. والمعنى : أزلنا ما في صدورهم من الغلّ بإنسائهم إيّاه ، وبإحداث أبدال له تشغل أماكنه من قلوبهم ، وتشفع مواقعه من صدورهم.
وقال بعض المفسّرين : معنى ذلك : أهل الجنة لا يحسد بعضهم بعضا على علوّ المنزلة فيها ، والبلوغ إلى مشارف رتبها. والحسد : الغلّ.
وقوله تعالى : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣) وهذه استعارة خفيّة. وقد تكون استعارة خفيّة ، واستعارة جليّة. وذلك أن حقيقة الميراث في الشرع ، هو ما انتقل إلى الإنسان من ملك الغير بعد موته على جهة الاستحقاق.
فأما صفة الله تعالى بأنه الوارث لخلقه ، كقوله سبحانه : (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) (٥٨) [القصص] وكقوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : ١٨٠ ؛ الحديد : ١٠] فهو مجاز. والمراد : أنه سبحانه الباقي بعد فناء الخلق ، وتقوّض السماء والأرض.
وقد استعمل ذلك أيضا في نزول قوم ديار قوم بعدهم ، وأخذ قوم أموال