قلوبهم إذ رميت الحصا في وجوههم ، ولكن الله رمى الرعب في قلوبهم. ولأهل الحقيقة في هذه الآية وفي نظائرها من الكتاب والسنة ، مباحث لا يحتملها هذا المختصر ، وهي مستقصاة في كتب التصوف.
فإن قيل : لم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) [الآية ٢٠] ثنّى في الأمر ، ثم أفرد في النهي؟
قلنا : كما يذكر في لغة العرب الاسم المفرد ويراد به الاثنان والجمع ، فكذلك يذكر ضمير المفرد ويراد به ضمير الاثنين كقولهم : إنعام فلان ومعروفه يغشيني ، والإنعام والمعروف لا ينفع مع فلان ، وعليه جاء قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] أي يرضوهما ، فكذا هنا معناه : ولا تولوا عنهما. الثاني أنه إن أفرد باعتبار عود الضمير إلى الله وحده لأنه الأصل ، مع أن طاعة الله وطاعة رسوله متلازمتان ، قال الله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] فكان الإعراض عن الرسول (ص) إعراضا عن الله تعالى ، فاكتفي بذكره.
الثالث أن معناه : ولا تولّوا عن هذا الأمر وعن أمثاله فالضمير للأمر لا للرسول (ص). الرابع : إنه إنما لم يقل ولا تولّوا عنهما ، لئلا يلزم منه الإخلال بالأدب من النبي (ص) عند نهيه للكفار ، في قرانه بين اسمه واسم الله تعالى ، في ذكرهما بلفظ واحد ، من غير تقديم اسم الله ، كما روي ، «أن خطيبا خطب فقال : من أطاع الله ورسوله فقد رشد ، ومن عصاهما فقد غوى ، فقال له النبي (ص) : «بئس خطيب القوم أنت ، هلّا قلت : ومن عصى الله ورسوله فقد غوى»؟
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [الآية ٢٣]؟
قلنا : معناه ولو علم الله فيهم تصديقا وإيمانا في المستقبل ، لأسمعهم سماع فهم وقبول ؛ أو لأنطق لهم الموتى ، يشهدون بصدق نبوّتك كما طلبوا. وقيل : معنى (لَأَسْمَعَهُمْ) : لرزقهم الفهم والبصيرة ، وأسمعهم وحالهم هذه الحال ، وهو أنه لم يعلم فيهم الخير ، لتولّوا وهم معرضون ، لعنادهم وجحودهم الحق ، بعد ظهوره.
فإن قيل : التولّي والإعراض واحد ،