المدينة منافقين مردوا على النفاق ؛ وأن النبي (ص) لا يعلمهم ، وهو سبحانه ، يعلمهم ، وسيعذّبهم مرتين في الدنيا والاخرة ؛ وأن منهم آخرين اعترفوا بذنوبهم ، وخلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا ؛ وذلك بخروجهم مع النبي (ص) في سائر الغزوات ، وتخلّفهم في هذه الغزوة ؛ وأنه قد قبل توبتهم ، وغفر لهم ؛ وكانوا قد تأخّروا عن تقديم زكواتهم قبل توبتهم ، فأمر النبي (ص) أن يأخذها منهم ، لتتمّ توبتهم بها ؛ ثم ذكر أنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده ، ويأخذ الصدقات ترغيبا فيها لمن لم يتب ، وأمرهم أن يعملوا الصالحات ، لتكفّر ما مضى من سيئاتهم ؛ وأخبرهم بأنه يرى عملهم ، ترغيبا وترهيبا لهم ؛ ثم ذكر أن منهم آخرين ندموا على ما فعلوا ، ولكنهم أحجموا عن الحضور الى النبي (ص) ، وإظهار التوبة ، خوفا منه أو خجلا واستحياء ، وأنهم مرجون لأمره ، فإما يعذّبهم وإمّا يوفّقهم لتكميل التوبة ، لأن الندم وحده لا يكفي فيها ، ثم ذكر أن منهم الذين اتّخذوا مسجدا قبيل غزوة تبوك ، يضارّون به مسجد قباء ، ويفرّقون به بين المؤمنين ؛ ونهى النبيّ (ص) أن يصلّي فيه ، وذكر أن مسجد قباء الذي أسس على التقوى ، من أول يوم ، أحقّ بذلك وأجدر ؛ وكان قد أمر النبي (ص) بتخريبه ، فذكر أنه لا يزال بنيانهم بعد تخريبه ريبة في قلوبهم ، (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١١٠).
ولما انتهى من ذكر ما فعلوه في تلك الغزوة ، ذكر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ، بأنّ لهم الجنة ، فلا يصحّ لمسلم أن يبخل بنفسه وماله في الجهاد ، كما يبخل أولئك المنافقون ، وأنه وعد المجاهدين بذلك وعدا عليه حقّا في التوراة والإنجيل والقرآن ، ولا يوجد من هو أوفى بعهده منه. ثمّ أمرهم أن يستبشروا بذلك البيع الرابح ، وأخبرهم بأن ذلك هو الفوز العظيم ، ومدحهم بأنهم التائبون العابدون ، إلى غير ذلك من الصفات التي امتازوا بها على المنافقين ، وجعلتهم يبذلون أنفسهم وأموالهم ، في سبيل الله ، راضين مطمئنين.
ثم نهى النبي (ص) والمؤمنين عن الاستغفار لأولئك المنافقين بعد أن بيّن ما حصل منهم ، لأن هذا أشد