النساء والصبيان والزّمنى (١) الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت.
فإن قيل : إذا كان الله تعالى ، علم أنّ المنافقين لو خرجوا مع المؤمنين للجهاد ما زادوهم إلّا خبالا : أي فسادا ، ولأوضعوا خلالهم : أي ولأسرعوا السعي بينهم بالنمائم ، فلم أمرهم سبحانه ، بالخروج مع المؤمنين؟
قلنا : أمرهم بالخروج لإلزامهم الحجّة ، ولإظهار نفاقهم.
فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٣) يدل على أن الفسق يمنع قبول الطاعات؟
قلنا : المراد بالفسق هنا ، الفسق بالكفر والنفاق ، لا مطلق الفسق ، وذلك محبط للطاعات ، ومانع من قبولها ؛ ويعضده قوله عزوجل (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) [الآية ٥٤].
فإن قيل : لم عدل في آية الصدقات (٢) عن اللام إلى «في» في المصارف الأربعة الأخيرة؟
قلنا : للتنبيه على أنهم أقوى في استحقاق الصدقة ممّن سبق ذكره ؛ لأن «في» للظرفية والوعاء ، فنبه بها على أنهم أحقّاء بأن توضع فيهم الصدقات ، ويجعلوا مصبّا لها ، لما ورد في فكّ الرقاب من الكتابة أو الرّقّ أو الأسر ؛ وفي فكّ الغارمين عن الدّين من التخليص والإنقاذ ؛ وفي سبيل الله ، يشمل السياق الغازي الفقير ، أو المنقطع في الحجّ ، والفقير البيّن الفقر ؛ وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال ؛ ولا يرد المؤلّفة قلوبهم ، لأن بعضهم كفّار ، وبعضهم مسلمون ضعيفو النية في الإسلام ، فكيف يعارض بهم من ذكرنا. أو لأن الله تعالى علم أن وجوب إعطائهم سينسخ ، فلذلك جعلهم في القسم المقدم الذي هو أضعف.
فإن قيل : لم كرر : «في» في الأربعة الأخيرة ولم يكرر اللام في الأربعة الأولى؟
قلنا : للتنبيه على ترجيح استحقاق المصرفين الأخيرين على الرقاب
__________________
(١). الزّمنى : مفردها زمين ، وهو الذي أصابه ضعف ، لكبر سنّ ، أو مطاولة علّة.
(٢). هي الآية السّتون ، من سورة التوبة.