ضد قوله تعالى (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٢٧) [العنكبوت] فدلّ على أن للطاعات أجرا معجلا في الدنيا ، غير الأجر المؤجل إلى الاخرة ، وهو القبول ، وحسن الثناء ، والذكر ، وإلقاء المحبة في قلوب الخلق ، كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٩٦) [مريم] قيل معناه : يحبّهم ، ويحبّبهم إلى عباده من غير سبب بينه وبينهم يوجب المحبة ، وكذلك على العكس حال العصاة والفساق يبغضهم ، ويبغّضهم إلى عباده من غير سبب بينه وبينهم يوجب البغض.
فإن قيل : قوله تعالى (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٧٤) لم خصّ الأرض بالنفي ، مع أن المنافقين ليس لهم وليّ ولا نصير ، من عذاب الله في الأرض ، ولا في السماء ؛ في الدنيا وفي الاخرة؟
قلنا : لمّا كان المنافقون لا يعتقدون الوحدانية ولا يصدّقون بالآخرة ، كان اعتقادهم وجود الوليّ والنصير مقصورا على الدنيا ؛ فعبر عن الدنيا ، بالأرض وخصّها بالذكر لذلك. الثاني أنه أراد بالأرض أرض الدنيا والاخرة فكأنه قال : ومالهم في الدنيا من وليّ ولا نصير.
فإن قيل : لم خصّ السبعين بالذكر في قوله تعالى (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [الآية ٨٠] ؛ مع أن الله تعالى لا يغفر للمنافقين ، ولو استغفر لهم الرسول (ص) ألف مرة ، بدليل قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [المنافقون : ٦] ولأنّهم مشركون ، والله تعالى (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨]؟
قلنا : جرت عادة العرب ، بضرب المثل في الآحاد بالسبعة ، وفي العشرات بالسبعين ، وفي المئات بسبعمائة ، استعظاما لها واستكثارا ؛ لا أنهم يريدون بذكرها الحصر ، فكأنه قال : إن تستغفر لهم أعظم الأعداد وأكثرها ، فلن يغفر الله لهم ، ويحدّده ما ذكره بعد ذلك ، من بيان الصارف عن المغفرة ، في قوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [الآية ٨٠].
فإن قيل : لو كان المراد ما ذكرتم ، لما خفي ذلك على النبي (ص) وهو