وقوله سبحانه (١) : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) [الآية ٨٧]. [الخوالف النساء (٢)] المقيمات في دار الحي بعد رحيل الرجال. وإنما سمّي النساء خوالف تشبيها لهنّ بالخوالف ، التي واحدتهن خالفة ، وهي الأعمدة تكون في أواخر بيوت الحيّ المضروبة. فشبّهن ـ لكثرة لزوم البيوت ـ بالخوالف التي تكون في البيوت.
وقد قيل إن الخوالف أيضا زوايا البيوت ، واحدتها خالفة ؛ والمعنى واحد. وقد يجوز أن يكون المراد بقوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) حقيقة الخوالف التي هي أعمدة البيوت ؛ أي رضوا بأن يكونوا في بيوتهم ، فيكونوا ـ بالملازمة لها ـ كخوالفها وأعمدتها.
وقد يجوز أيضا ، أن يكون الخوالف هاهنا جمع فرقة خالفة. وهي الجماعة التي تقعد عن الغزو ، كالشيوخ ، والنساء ، وذوي العاهات ، والولدان. وممّا يقوي ذلك قوله تعالى أمام هذا الكلام : (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٨٣).
وكنت سمعت شيخنا أبا الفتح عثمان بن جنّي (٣) النحوي ـ رحمهالله ـ يقول ذلك ، ويذهب إلى مثله أيضا في قوله سبحانه : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) [الممتحنة : ١٠]. ويقول : هي جمع فرقة كافرة. إلا أنّ الكلام يكون على القول الأول استعارة. ويكون على هذا القول حقيقة.
وفي قوله سبحانه : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) [الآية ٩٨] استعارة. (٤) .... عليهم أيام السوء ، لأن الأيام والشهور قد تسمى دوائر ، على طريق الاستعارة. فليس لأنها ترجع بأعيانها ، وإنّما تعود أشباهها وأمثالها ، فشهر كشهر ، ويوم كيوم ، وساعة كساعة ، وسنة كسنة. يقال دارت السنون ، ودارت الشهور على
__________________
(١). هذه زيادة ليست بالأصل يقتضيها السياق.
(٢). هذا السطر ممحوّ ، وقد استظهرناه من السياق ، الذي يفسر الخوالف بالنساء المقيمات في دار الحيّ.
(٣). أبو الفتح عثمان بن جنّي ، إمام من أئمّة النحو. وقد اشتهر بشرحه لديوان المتنبّي ، وبكتابه «الخصائص» في اللغة ، وهو مشهور. وكان المتنبي يقول : «ابن جني أعرف بشعري مني» ، وقد كان ابن جني أستاذا للشريف الرّضي ، ونقل هذا عنه كثيرا في كتابه «المجازات النبوية». توفي سنة ٣٩٢ ه.
(٤). هنا سطران ممحوان محوا تاما.