وصامتة ظاهرة وخفية ؛ وما فيه من تحوّلات وتقلّبات ونور وظلمات ؛ وهذه الحقيقة هي أن الإله الذي له (الحمد) المطلق والتنزيه الذي لا يحدّ هو الله ، لأنه هو الذي «خلق» وهو الذي «جعل» ؛ فالخلق إنشاء وإبداع ، والجعل تصريف وتقليب ؛ والعالم أجمع في دائرتيهما ؛ فلا ينفكّ شيء منه عن كلا هذين المظهرين : «خلق» و «جعل». ومقتضى ذلك أنّ المخلوق المجهول ، لا يمكن أن يتسامى إلى مرتبة الخالق الجاعل فيعبد كما يعبد ، ويقصد كما يقصد ، ذلك هو مطلع السورة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١). وكل ما جاء في هذه السورة إنما هو بيان وتفصيل ، أو تمثيل وتطبيق على هذه الحقيقة ؛ أحيانا بصفة مباشرة ، وأحيانا بوسائط تقرّب أو تبعد.
وهذا هو المعنى الذي يعبّر عنه بعض العلماء بأنه الحكم بتوحيد الألوهيّة استدلالا بوحدانيّة الربوبيّة ، وذلك في القرآن كثير. فأوّل فاتحة الكتاب :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢).
وأول الكهف :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ).
وأول فاطر :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً).
ولو ذهبنا نتتبّع هذا المعنى لأوغلنا في التتبّع ، ورأينا الكثير من الآيات ، فإن هذا هو أصل الأديان كلّها ؛ وهو الحقيقة الأولى ، كما تجلى ذلك في سورة الأنعام. وقد ساقت السورة عددا من الأدلّة على توحيد الله سبحانه ، فهي تلفت إلى مظاهر الملك التام ، والسلطان القاهر في الخلق والتصرّف الكامل ، والعلم المحيط فتقول :
(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) [الآية ١٢].
(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٣).
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ) [الآية ٥٩].
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الآية ٦٠].
وهي تلفت النظر إلى ملكوت السماوات والأرض ، وما خلق الله من