وقوله سبحانه : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الآية ٨٤] وهذه استعارة ، لأن الأولى أن يكون المراد هاهنا بالشاكلة ، والله أعلم ، الطريقة التي تشاكل أخلاق الإنسان ، وتوافق طبيعته. وذلك مأخوذ من الشاكلة ، وجمعها شواكل ، وهي الطرق المتّسعة المتشعّبة عن المحجّة العظمى. فكأنّ الدّنيا هاهنا مشبّهة بالطريق الأعظم ، وعادات الناس فيها وطبائعهم التي جبلوا عليها مشبّهة بالطرق المختلجة من ذلك الطريق ، الذي هو المعمود ، وإليه الرجوع.
وقال بعضهم : الشاكلة العلامة ، وأنشد [بحر البسيط] :
بدت شواكل حبّ كنت تضمره |
|
في القلب أن هتفت في الدّار ورقاء |
فكأنه تعالى قال : كلّ يعمل على الدلالة التي نصبت لاستدلاله ، والأمارة التي رفعت لاهتدائه.
وقوله سبحانه : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) [الآية ١٠٠] وهذه استعارة ، والمراد بالخزائن ، هاهنا ، المواضع التي جعلها الله سبحانه وتعالى ، جفنات لدرور الرزق ومنافع الخلق. وإلى تلك المواضع ترفع الأيدي عند السؤال ، والرغبات ، واستدرار الخير والبركات.
وقوله سبحانه : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) [الآية ١٠٦] وهذه استعارة ، ومعنى فرقناه : أي بيّناه للناس بنصوع مصباحه وشدوخ أوضاحه ، حتّى صار كمفرق الفرس في وضوح مخطّه (١) أو كفرق الصبح في بيان منبلجه.
وقال بعضهم : معنى فرقناه أي فصّلناه سورا وآيات. وذلك بمنزلة فرق الشعر وهو تمييز بعض من بعض ، حتى يزول التباسه ، ويتخلص التفافه.
__________________
(١). المخطّ هو مكان الخط ، أو الفرق في مفرق الحصان.