وهي حال أشبه شيء بحال مكّة جعل الله فيها البيت ، وجعلها بلدا حراما ، من دخله فهو آمن مطمئن ، لا تمتدّ إليه يد ، ولو كان قاتلا ، ولا يجرأ أحد على إيذائه ، وهو في جوار بيت الله الكريم. وكان الناس يتخطّفون من حول البيت ، وأهل مكّة في حراسته وحمايته كانوا آمنين مطمئنين ، كذلك كان رزقهم يأتيهم هيّنا هنيئا ، من كل مكان مع الحجيج ومع القوافل الآمنة ، مع أنهم في واد قفر جدب غير ذي زرع ، فكانت تجيء إليهم ثمرات كل شيء ، فيتذوقون طعم الأمن وطعم الرغد ، منذ دعوة إبراهيم الخليل عليهالسلام ، فإذا كذّب أهل مكة بدعوة محمد (ص) ، وجحدوا رسالته ، استحقوا العقاب والعذاب ولباس الجوع والخوف ، جزاء كفرهم وعنادهم.
ثم ينتقل السياق بهم ، الى الطيّبات التي حرّمها أبناء القبائل المكية على أنفسهم ، اتّباعا لأوهام الوثنية ، وقد أحلّها الله لهم ، وحدّد المحرّمات ، وبيّنها ، وليست هذه منها ، وذلك لون من الكفر ، بنعمة الله ، وعدم القيام بشكرها ، يتهدّدهم بالعذاب الأليم من أجله. وهو افتراء على الله لم تنزل به شريعة.
وبمناسبة ما حرّم على المسلمين من الخبائث ، يشير الى ما حرّم على اليهود من الطيّبات بسبب ظلمهم. وقد جعل هذا التحريم عقوبة لهم على عصيانهم. ولم يكن محرّما على آبائهم ، في عهد إبراهيم (ع) الذي كان أمّة قانتا لله حنيفا ، ولم يك من المشركين ، شاكرا لأنعمه ، اجتباه وهداه الى صراط مستقيم. فكانت حلالا له الطيبات ، ولبنيه من بعده ، حتى حرّم الله بعضها على اليهود ، عقوبة لهم خاصة ، ومن تاب من بعد جهالته ، فإن الله غفور رحيم.
ثم جاءت رسالة محمد (ص) ، امتدادا واتّباعا لرسالة ابراهيم (ع) ، فعادت الطيّبات كلّها حلالا ، وكذلك السبت الذي منع فيه اليهود من الصيد ، فإنما السبت على أهله الذين اختلفوا فيه ، ففريق كف عن الصيد ، وفريق نقض عهده ، فمسخه الله ، وانتكس عن مستوى الإنسانية.
وتختم السورة عند هذه المناسبة بالأمر الى الرسول (ص) ، أن يدعو الى سبيل ربّه ، بالحكمة والموعظة