استعارتان : أولاهما قوله تعالى في ذكر الشمس : (تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ) لأنّ التزاور أصله الميل ، وهو مأخوذ من الزّور ، وهو الصدر. فكأنه سبحانه قال : إن الشمس تميل عن هذا الموضع ، كما يميل المتزاور عن الشيء بصدره ووجهه.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى : (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ). وفي ذلك قولان : أحدهما أن يكون المراد أنها تقرضهم في ذات الشمال ، أي أنها تجوزهم عادلة بمطرح شعاعها عنهم. من قولهم : قرضت الشيء بالمقراض إذا قطعته به. والمقراض متجاوز لأجزائه أوّلا حتى ينتهي إلى آخره. والقول الثاني : أن يكون المراد أنها تعطيهم القليل من شعاعها عند مرّها بهم ، ثم تسترجعه عند انصرافها عنهم ؛ تشبيها بقرض المال الذي يعطيه المعطي ليستردّه ، ويقدمه ليرتجعه. ومعنى قرض المال أيضا مأخوذ من القطع ، لأن المقرض يعطي للمقترض شقة من ماله ، وقطعة من حاله.
وقوله سبحانه : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [الآية ٢١]. وهذه استعارة. والمراد ـ والله أعلم ـ وكذلك أطلعنا عليهم. إلا أن في لفظ الإعثار فائدة ، وهي مصادفة الشيء عن غير طلب له ، ولا إحساس به ، وهو «أفعلنا» من الإعثار.
وأصله أن الساعي في طريقه إذا صدّ قدمه ، أو نكب إصبعه شيء ، ففي الأغلب أنه يقف عليه متأمّلا له ، وناظرا إليه. فكأنّه استفاد علم ذلك من غير أن تتقدم معرفته به. ومن ذلك قول القائل لغيره : لأعثرنّ عليك بخطيئة فأعاقبك. أي لأقفنّ على ذلك منك.
وعلى هذا قوله سبحانه : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) [المائدة : ١٠٧]. أي اطّلع على ذلك منهما ، واستفيد العلم به من باطن أمرهما.
وقوله سبحانه : (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) [الآية ٢٢]. وهذه استعارة لأنّ الرّجم هاهنا هو القذف بالظّنّ ، والقول بغير علم. ومن عادة العرب أن تسمي القائل بالظّنّ راجما وقاذفا ، و. تسمي السّابّ الشاتم ، راميا راجما.
ويقولون : هذا الأمر غيب مرجّم. أي يرمي الناس بظنونهم ، ويقدرونه بحسابهم.