الهندسية ، وجد فيها عوجا في غير موضع ، ولكنه عوج لا يدرك بحاسة البصر ، فنفى الله تعالى ذلك العوج لما لطف ودقّ عن الإدراك ، فكان لدقّته وخفائه ملحقا بالمعاني.
فإن قيل : إنّ الله تعالى أخبر أن آدم (ع) نسي عهد الله ووصيّته ، وأكل من الشجرة ، بقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) [الآية ١١٥] وإذا كان فعل ذلك ناسيا ، فكيف وصف بالعصيان والغواية ، بقوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١٢١) فعاقبه عليه بأعظم أنواع العقوبة ، وهو الإخراج من الجنّة؟
قلنا : النسيان هنا بمعنى الترك ، كما في قوله تعالى : (إِنَّا نَسِيناكُمْ) [السجدة : ١٤] أي تركناكم في العذاب ، وقوله تعالى (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] فمعناه أنه ترك عهد الله ووصيته ، فكيف يكون من النسيان الذي هو ضد الذّكر ؛ وقد جرى بينه وبين إبليس من المجادلة والمناظرة في أكل الشجرة ، فصول كثيرة ؛ ما ذكره تعالى في قوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٢٠) فكيف يبقى مع هذا نسيان؟
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (١١٧) ولم يقل فتشقيا ، والخطاب لآدم وحواء (ع)؟
قلنا : لوجوه : أحدها أن الرجل قيّم أهله وأميرهم ، فشقاؤه يتضمّن شقاءهم ، كما أن معاداته تتضمن معاداتهم ؛ فاختصر الكلام بإسناد الشقاء إليه دونها ، لمّا كان متضمّنا له. الثاني : أنه إنما أسند إليه دونها للمحافظة على الفاصلة. الثالث : أنه أريد بالشقاء : الشقاء في طلب القوت وإصلاح المعاش ، وذلك وظيفة الرجل دون المرأة ، قال سعيد بن جبير : أهبط إلى آدم (ع) ثور أحمر ، فكان يحرث عليه ، ويمسح العرق عن جبينه ، فذلك شقاؤه.
فإن قيل : هل يجوز أن يقال : كان آدم عاصيا غاويا ، أخذا من قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١٢١)؟
قلنا : يجوز أن يقال : عصى آدم ، كما قال الله تعالى ، ولا يجوز أن يقال كان آدم عاصيا ، لأنه لا يلزم من جواز إطلاق الفعل جواز اطلاق اسم الفاعل ؛ ألا ترى أنه يجوز أن يقال تبارك الله ولا يجوز أن يقال الله تبارك ،