لموسى (ع) ، واعده الله تعالى جانب الطّور الأيمن لإتيانه التوراة؟
قلنا : المواعدة ، وإن كانت لموسى (ع) ، ولكنّها ، لمّا كانت لإنزال كتاب بسبب بني إسرائيل ، وفيه بيان شريعتهم وأحكامهم وصلاح معاشهم ومعادهم ، أضيفت إليهم المواعدة بهذه الملابسة والاتصال.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) (٨٣) سؤال عن سبب العجلة ، فإن موسى (ع) لمّا واعده الله تعالى بإنزال التوراة عليه بجانب الطور الأيمن ، وأراد الخروج إلى ميعاد ربّه اختار من قومه سبعين رجلا يصحبونه إلى ذلك المكان ، ثمّ سبقهم شوقا إلى ربّه وأمرهم بلحاقه ، فعوتب على ذلك ، وكان الجواب المطابق أن يقول : طلبت زيادة رضاك أو الشوق إلى لقائك وتنجيز وعدك ، فلم قدّم ما لا يطابق السؤال ، وهو قوله تعالى : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) [الآية ٨٤]؟
قلنا : ما واجهه ربّه به تضمّن شيئين : إنكار العجلة في نفسها ، والسؤال عن سببها ؛ فبدأ موسى (ع) بالاعتذار عمّا أنكره تعالى عليه ، بأنه لم يوجد منه إلّا تقدّم يسير لا يعتدّ به في العادة ، كما يتقدّم المقدّم جماعته وأتباعه ؛ ثم عقّب العذر بجواب السؤال عن السبب ، بقوله كما ورد في التنزيل : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) (٨٤).
فإن قيل : أليس أنّ أئمّة اللغة قالوا : العوج بالكسر في المعاني ، وبالفتح في الأعيان ، ولهذا قال ثعلب : ونقول في الأمر والدين عوج ، وفي العصا ونحوها عوج ، كالجبال والأرض ، فكيف صحّ فيها المكسور ، في قوله تعالى : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (١٠٧)؟
قلنا : قال ابن السّكّيت : كل ما كان ممّا ينتصب كالحائط والعود ، قيل فيه عوج بالفتح ، والعوج بالكسر ما كان في أرض أو دين أو معاش ، فعلى هذا لا إشكال. الثاني : أنه أريد به نفي الاعوجاج الذي يدرك بالقياس الهندسي ولا يدرك بحاسّة البصر ، وذلك اعوجاج لاحق بالمعاني ، فلذلك قال فيه عوج بالكسر ؛ ومما يوضح هذا أنك لو سوّيت قطعة أرض غاية التسوية ، بمقتضى نظر العين ، بموافقة جماعة من البصراء ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها عوج قط ، ثم أمرت المهندس أن يعتبرها بالمقاييس