وقوله سبحانه : (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) (٢١) وهذه استعارة. لأن المراد بالسيرة هاهنا الطريقة والعادة. وأصل السيرة مضيّ الإنسان في تدبير بعض الأمور ، على طريقة حسنة أو قبيحة. يقال : سار فلان الأمير فينا سيرة جميلة. وسار بنا سيرة قبيحة. ولكن موسى (ع) لمّا كان يصرف عصاه ـ قبل أن تنقلب حيّة ـ في أشياء من مصالحه ، كما حكى سبحانه عنه ، بقوله : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١٨) ثمّ قلبت حيّة ، جاز أن يقال (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) (٢١) أي إلى الحال التي كنت تصرفها معها في المصالح المذكورة ، لأن تصرّفها في تلك الوجوه كالسيرة لها ، والطريقة المعروفة منها ؛ والمراد سنعيدها إلى سيرتها الأولى ، فانتصبت السيرة بإسقاط الجار.
وقوله سبحانه : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [الآية ٢٢]. وهذه استعارة ، المراد بها ، والله أعلم ، وأدخل يدك في قميصك ممّا يلي إحدى جهتي يديك. وسميت تلك الجهتان جناحين ، لأنهما في موضع الجناحين من الطائر. ويوضح ما ذكرنا قوله سبحانه في مكان آخر : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [النمل : ١٢] ، والجيب في جهة إحدى اليدين.
قوله سبحانه : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي) (٢٨) وهذه استعارة. والمراد بها إزالة لفف (١) كان في لسانه ، فعبّر عنه بالعقدة. وعبّر عن مسألة إزالته بحلّ العقدة ؛ للملاءمة بين النظام ، والمناسبة بين الكلام.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك ، إزالة التقيّة عن لسانه ، وكفايته سطوة فرعون وغواته ، حتى يؤدي عن الله سبحانه آمنا ، ويقول متمكّنا ، فلا يكون معقود اللسان بالتقيّة ، معكوم الفم بالخوف والمراقبة. وذلك كقول القائل : لسان فلان معقود ، إذا كان خائفا من الكلام ؛ ولسان فلان منطلق ، إذا كان مقداما على المقال.
وقوله سبحانه : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣٩). وفي هذه الآية استعارتان. إحداهما قوله
__________________
(١). اللّفف : التواء عصب في اللسان ، يعطّله عن الكلام.