وغيره ؛ ونسب إلى الله تعالى لأن موعظة كلّ واعظ بإلهامه وهدايته. ثالثا : أنّ المراد بالذكر الذاكر ، وهو الرسول (ص) ، ويؤيّده قوله تعالى في سياق الآية (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الآية ٣]. وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى : (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) [الآية ٢] أي إلّا استمعوا ذكره وموعظته.
فإن قيل : النّجوى المسارّة ، فما معنى قوله تعالى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) [الآية ٣]؟
قلنا : معناه بالغوا في إخفاء المسارّة ، بحيث لم يفطن أحد لتناجيهم ومسارّتهم ، تفصيلا ولا إجمالا ؛ فإنّ الإنسان قد يرى اثنين يتسارّان ، فيعلم من حيث الإجمال أنّهما يتسارّان ، وإن لم يعلم تفصيل ما يتسارّان به ، وقد يتسارّان في مكان لا يراهما أحد.
فإن قيل : لم قال تعال لمشركي مكّة : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) [الآية ٧] يعني فاسألوا أهل الكتاب عمّن مضى من الرسل ، أكانوا بشرا أم ملائكة؟ مع أنّ المشركين قالوا ، كما ورد في التنزيل : (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) [سبأ : ٣١].
قلنا : هم وإن لم يؤمنوا بكتاب أهل الكتاب ، ولكن النقل المتواتر من أهل الكتاب في القضيّة العقلية ، يفيد العلم لمن يؤمن بكتابهم ، ولمن لا يؤمن به.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) (١٩) ، والاستحسار مبالغة في الحسور وهو الإعياء ؛ فكان الأبلغ في وصفهم ، أن ينفي عنهم أدنى الحسور أو مطلقه ، لا أقصاه؟
قلنا : إنما ذكر الاستحسار ، إشارة إلى أنّ ما هم فيه ، من التسبيح الدائم ، والعبادة المتّصلة ، يوجب غاية الحسور وأقصاه.
فإن قيل : قوله تعالى : في وصف الملائكة (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (٢٦). إلى قوله تعالى : (مُشْفِقُونَ) (٢٨) يدلّ على أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ، فإذا كانوا لا يعصون الله تعالى ، فلم يخافون حتّى قال سبحانه : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢٨)؟
قلنا : أولا : لمّا رأوا ما جرى على إبليس وعلى هاروت وماروت من القضاء والقدر ، خافوا من مثل ذلك. ثانيا : أنّ زيادة معرفتهم بالله ، وقربهم في محلّ كرامته ، يوجب مزيد خوفهم ، ولهذا قال أهل التحقيق : من كان بالله أعرف ، كان من الله أخوف ؛ ومن كان