كَبِيرُهُمْ هذا) [الآية ٦٣] أحال كسر الأصنام على الصنم الكبير ، وكان إبراهيم هو الكاسر لها؟
قلنا : أوّلا : قاله على طريق الاستهزاء والتهكّم بهم ، لا على طريق الجدّ. ثانيا : أنه لما كان الحامل له على كسرها ، اغتياظه من رؤيتها مصفوفة مرتّبة للعبادة ، مبجّلة معظّمة ، وكان اغتياظه من كبيرها أعظم ، لمزيد تعظيمهم له ، أسند الفعل إليه ، كما أسند إلى سببه ، وإلى الحامل عليه. ثالثا : أنه أسند إليه معلّقا بشرط منتف ، لا مطلقا ، تقديره : فعله كبيرهم هذا ، إن كانوا ينطقون. فإن قيل : لم خاطب تعالى النار ، بقوله : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) والخطاب ، إنّما يكون لمن يعقل؟
قلنا : خطاب التحويل والتكوين لا يختصّ بمن يعقل ، قال الله تعالى (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] وقال تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [فصلت : ١١] وقال تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) [هود : ٤٤].
فإن قيل : لم وصف الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بكونهم من الصالحين ، بقوله تعالى (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ) [الآية ٨٥] ، مع أنّ أكثر المؤمنين صالحون ، خصوصا في الزمن الأول؟
قلنا : معناه أنهم من الصالحين للإدخال في الرحمة ، التي أريد بها النبوّة على ما فسّره مقاتل ، أو الجنّة على ما فسّره ابن عبّاس رضي الله عنهما ؛ ويؤيّد ذلك قول سليمان صلوات الله عليه ، كما ورد في التنزيل : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) [النمل] أي الصالحين للعمل المرضيّ ، الذي سبق سؤاله.
فإن قيل : لم قال تعالى هنا (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [الآية ٩١] وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢].
قلنا : حيث أنّث أراد النفخ في ذاتها ، وإن كان مبدأ النفخ من الفرج الذي هو مخرج الولد ، أو جيب درعها على اختلاف القولين ، لأنه فرجة ، وكل فرجة بين شيئين تسمى فرجا في اللغة ، وهذا أبلغ في الثناء عليها ؛ لأنها إذا منعت جيب درعها ممّا لا يحل ،