اقتضاه في البغال والحمير ، من حيث أنه لم ينصّ على منفعة أخرى فيها ، غير الركوب والزينة ، ومن حيث أن التعليل بعلّة يقتضي الانحصار فيها كقولك : فعلت هذا لكذا ، فإنه يناقضه أن تكون فعلته لغيره ، أو له مع غيره ، إلّا إذا كان أحدهما جهة في الاخر.
قلنا : ينتقض بالحمل عليها والحراثة بها ، فإن ذلك مباح مع أنه لم ينص عليه.
فإن قيل : إنّما ثبت ذلك بالقياس على الأنعام ، فإنه منصوص عليه بقوله تعالى (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ) [الآية ٥] ، والمراد به كل منفعة ، معهودة منها عرفا ، لا كلّ منفعة. فثبت مثل ذلك في الخيل والبغال والحمير.
قلنا : لو كان ثبوته فيها بالقياس في الأنعام ، لثبت حلّ الأكل في الخيل بالقياس على ثبوته في الأنعام أيضا ؛ ولو ثبت حلّ الأكل في الخيل بالقياس ، لثبت في البغال والحمير ، كما ثبت الحمل والحراثة ثبوتا شاملا للكل بالقياس على ثبوته في الأنعام. والجواب عن الجهة الثانية في أصل السؤال ، أن هذه اللام ليست لام التعليل ، بل لام التمكين ، كقوله تعالى (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) [يونس : ٦٧ ، غافر : ٦١] ومع هذا يجوز في الليل غير السكون.
فإن قيل : لم قال الله تعالى في وصف ماء السماء (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [الآية ١١] ولم يقل كل الثمرات ، مع أن كل الثمرات تنبت بماء السماء؟
قلنا : كل الثمرات لا تكون إلّا في الجنة ، وإنما ينبت في الدينا بعض منها أنموذجا وتذكرة ، فالتبعيض بهذا الاعتبار ؛ يكون المراد بالثمرات ما هو أعمّ من ثمرات الدنيا ، ومن يجوّز زيادة «من» في الإثبات يحتمل أن يجعلها زائدة هنا.
فإن قيل : قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [الآية ١٧] ، المراد بمن لا يخلق الأصنام ، بدليل قوله تعالى بعده : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢٠) ، فكيف جيء بمن المختصة بأولي العلم والعقل؟
قلنا : خاطبهم على معتقدهم ، لأنهم سموها آلهة وعبدوها ، فأجروها مجرى