وتختم هذه الآيات ، بمشهد مؤثّر ، مشهد الظلال في الأرض كلها ساجدة لله ، ومعها ما في السماوات وما في الأرض من دابة ؛ والملائكة قد برئت نفوسهم من الاستكبار ، وامتلأت بالخوف من الله ، والطاعة لأمره بلا جدال. هذا المشهد الخاشع الطائع ، يقابل صورة المستكبرين ، المتكبرة قلوبهم ، في مفتتح هذه المجموعة من الآيات.
وبين المطلع والختام ، يستعرض السياق مقولات أولئك المستكبرين المنكرين للوحي والقرآن ، إذ يزعمون أنه أساطير الأوّلين ؛ ومقولاتهم ، عن أسباب شركهم بالله ، وتحريمهم ما لم يحرّمه الله ، إذ يدّعون أنّ الله أراد منهم الشر ، وارتضاه ؛ ومقولاتهم عن البعث والقيامة ، إذ يقسمون جهدهم ، لا يبعث الله من يموت ، ويتولّى سبحانه الردّ على مقولاتهم جميعا ، ويعرض في ذلك مشاهد احتضارهم ، ومشاهد بعثهم ، وفيها يتبرّءون من تلك المقولات الباطلة ، كما يعرض بعض مصارع الغابرين من المكذّبين أمثالهم ، ويخوّفهم أخذ الله لهم في ساعة من ليل أو نهار ، وهم لا يشعرون ، وهم في تقلّبهم في البلاد ، أو يأخذهم وهم على تخوّف وتوقّع وانتظار للعذاب. إلى جوار هذا ، يعرض صورا من مقولات المتّقين المؤمنين ، وما ينتظرهم عند الاحتضار ويوم البعث من طيب الجزاء ... وينتهي هذا الدرس ، بذلك المشهد الخاشع الطائع ، للظلال والدواب والملائكة ، في الأرض والسماء. والسياق القرآني ، يعبّر عن خضوع الأشياء لنواميس الله ، بالسجود ، وهو أقصى مظاهر الخضوع ، ويوجه الى حركة الظلال المتفيّئة ، أي الراجعة بعد امتداد ، وهي حركة لطيفة خفيفة ذات دبيب في المشاعر والأعماق ، ويرسم المخلوقات داخرة أي خاضعة خاشعة ، ويضم إليها ما في السماوات وما في الأرض من دابة ، ويضيف الى الحشد الكوني ، الملائكة ، في مقام خشوع وخضوع وعبادة وسجود ، قال تعالى :
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠).