القيامة وقفهم عليها ، ببركة أثر قدمه (ص).
الثاني : أن بيت المقدس مجمع أرواح الأنبياء (ع) ، فأراد الله تعالى أن يشرّفهم بزيارته (ص). الثالث : أنّه أسرى به إلى بيت المقدس ، ليشاهد من أحواله وصفاته ، ما يخبر به كفّار مكّة صبيحة تلك الليلة ، فيدلّهم إخباره بذلك ، مطابقا لما رأوا وشاهدوا ، على صدقه في حديث الإسراء.
فإن قيل : لم قال الله تعالى (بارَكْنا حَوْلَهُ) [الآية ١] ولم يقل باركنا عليه أو باركنا فيه ، مع أن البركة في المسجد تكون أكثر من خارج المسجد ، وحوله ؛ خصوصا المسجد الأقصى؟
قلنا : أراد سبحانه البركة الدنيوية ، بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة ، وذلك حوله لا فيه. وقيل أراد البركة الدينية ، فإنه مقرّ الأنبياء (ع) ، ومتعبّدهم ومهبط الوحي والملائكة ، وإنما قال جلّ وعلا : (بارَكْنا حَوْلَهُ) لتكون بركته أعمّ وأشمل ، فإنه أراد بما حوله ما أحاط به من أرض بلاد الشام ، وما قاربه منها ، وذلك أوسع من مقدار بيت المقدس ؛ ولأنه إذا كان هو الأصل ، وقد بارك في لواحقه وتوابعه من البقاع ، كان هو مباركا فيه بالطريق الأولى ، بخلاف العكس. وقيل المراد البركة الدنيوية والدينية ، ووجههما ما مرّ. وقيل المراد باركنا حوله ، من بركة نشأت منه ، فعمّت جميع الأرض ، فإن مياه الأرض كلّها ، أصل انفجارها من تحت الصخرة التي في بيت المقدس.
فإن قيل ، ما وجه ارتباط قوله تعالى (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (٣) بما قبله ، ومناسبته له؟
قلنا : معناه لا تتّخذوا من دوني ربّا فتكونوا كافرين ، ونوح كان عبدا شكورا ، وأنتم ذرّية من آمن به ، وحمل معه ، فتأسّوا به في الشكر ، كما تأسّى به آباؤكم.
فإن قيل لم قال الله تعالى : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الآية ٧] ولم يقل : فعليها ، كما قال سبحانه : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصّلت : ٤٦]؟
قلنا : اللام هنا بمعنى على ، كما في قوله تعالى (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (١٠٣) [الصافات] وقوله تعالى (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) [الآية ١٠٧] وقيل معناه ، فلها رجاء بالرحمة ، أو فلها خلاص بالتوبة والاستغفار ؛ والصحيح ، أن اللام هنا على بابها ، لأنها للاختصاص ؛ وكل عامل مختص