ركّبك في صورة هي من أعجب الصور وأتقنها وأحكمها ، وقد كان قادرا أن يركّبك في أيّ صورة أخرى يشاؤها ، فاختار لك هذه الصورة السويّة المعتدلة الجميلة.
وإنّ الإنسان لمخلوق جميل التكوين ، سويّ الخلقة ، معتدل التصميم ؛ وإنّ عجائب الإبداع في خلقه ، لأضخم من إدراكه هو ، وأعجب من كل ما يراه حوله ؛ وأنّ الجمال والاعتدال ليظهر في تكوينه الجسدي ، وفي تكوينه العقلي ، وفي تكوينه الروحي سواء ، وهي تتناسق في كيانه بجمال واستواء.
وهناك مؤلّفات كاملة في وصف كمال التكوين الإنساني العضوي ، ودقّته وإحكامه ؛ وتؤكّد جلال القدرة المبدعة ، التي أبدعت خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ويسّرت خلقه من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة ، ثمّ سوّته خلقا كاملا (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون / ١٤].
«وهذه الأجهزة العامّة لتكوين الإنسان الجسدي .. الجهاز العظمى ، والجهاز العضلي ، والجهاز الجلدي ، والجهاز الهضمي ، والجهاز الدموي ، والجهاز التنفّسي ، والجهاز التناسلي ، والجهاز اللمفاوي ، والجهاز العصبي ، والجهاز البولي ، وأجهزة الذوق والشمّ والسمع والبصر ؛ كلّ منها عجيبة ، لا تقاس إليها كل العجائب الصناعية ، التي يقف الإنسان مدهوشا أمامها ، وينسى عجائب ذاته ، وهي أضخم وأعمق وأدق بما لا يقاس» (١).
وتقول مجلة العلوم الإنجليزية : «إنّ يد الإنسان في مقدمة العجائب الطبيعيّة الفذة ، وإنه من الصعب جدّا ، بل من المستحيل أن تبتكر آلة تضارع اليد البشرية ، من حيث البساطة والقدرة وسرعة التكيّف ، فحينما تريد قراءة كتاب تتناوله بيدك ، ثم تثبته في الوضع الملائم للقراءة ، وهذه اليد هي التي تصحح وضعه تلقائيا ، وحينما تقلّب إحدى صفحاته تضع أصابعك تحت الورقة ، وتضغط عليها بالدرجة التي تقلّبها بها ، ثمّ يزول الضغط بقلب الورقة واليد تمسك القلم وتكتب به ، وتستعمل كافّة الآلات التي تلزم الإنسان من ملعقة إلى السّكّين ، إلى آلة
__________________
(١). في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب ٣٠ / ٤٩١.