والمعنى : أيظنّ ذلك الصنديد في قومه ، المفتون بما أنعمنا عليه ، أن لن يقدر أحد على الانتقام منه ، وأن لن يكون هناك حساب وجزاء ، فتراه يجحد القيامة ، ويتصرّف تصرّف القويّ القادر ، فيطغى ويبغي ، ويبطش ويظلم ، ويفسق ويفجر ، دون أن يتحرّج ، وهذه هي صفات الإنسان الذي يتعرّى قلبه من الايمان.
ثمّ إنه إذا دعي للخير والبذل يقول : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) (٦) وأنفقت شيئا كثيرا ، فحسبي ما أنفقت وما بذلت ، أيحسب أنّ عين الله لا تراه ، وتعلم أن ما أعطاه الله له أكثر ممّا أنفقه ، وتعلم أنه إنّما أنفق رياء وسمعة ، وطلبا للمحمدة بين الناس.
ثمّ بيّن الله ، سبحانه ، جلائل نعمه على هذا الإنسان ، وعلى كل إنسان فقال : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (٨) يبصر بهما المرئيات ، (وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٩) ليعبّر عمّا في نفسه ، وليتمكّن من الأكل والشراب ، والنفخ والنطق. (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١٠) ليختار أيّهما شاء ، ففي طبيعته الاستعداد لسلوك طريق الخير أو طريق الشر ، لأن الله منحه العقل والتفكير ، والارادة والاختيار ، وميّزه على المخلوقات جميعها ، فالكون كله خاضع لله خضوع القهر والغلبة ، والإنسان هو المتميّز بالاختيار والحرية ، ليكون سلوكه متّسما بالمسؤولية.
مفردات الآيات ١١ ـ ٢٠ :
اقتحم الشيء : دخل فيه بشدة.
العقبة : هي الطريق الوعرة في الجبل يصعب سلوكها.
المسغبة : المجاعة.
مقربة : قرابة.
متربة : يقال ترب الرجل إذا افتقر.
المرحمة : الرحمة.
أصحاب الميمنة : السعداء.
أصحاب المشأمة : الأشقياء.
مؤصدة : مطبقة عليهم ، من أوصدت الباب إذا أغلقته.
[الآيات ١١ ـ ١٣] : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ) (١٣) بعد أن بيّن السياق جليل نعم الله تعالى على الإنسان ، وبخاصة الأغنياء ، أخذ يحثّ أغنياء مكة على صلة الرحم ، والعطف على المساكين ، والمشاركة في عتق الرقاب ، والتخفيف عن العبيد والإماء.