الناطقة بأحدها ، وبين ما نطق به بأحد الآخرين. (وَخَلَقَ الْجَانَ) أي الجن ، أو أبا الجن ، (مِنْ مارِجٍ) أي لهب صاف (مِنْ نارٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي مما أفاض عليكما في تضاعيف خلقكما من سوابغ النّعم. ومما أظهره لكما بالقرآن.
القول في تأويل قوله تعالى :
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٨)
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أي مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما ، أو مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي مما فيهما من النعم والفوائد التي لا تحصى ، كاختلاف الفصول ، وحدوث ما يناسب كل فصل فيه من الخيرات والبركات التي بها قوام العالم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢١)
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي أرسلهما ، من (مرج فلان دابته) إذا خلّاها وتركها. والمعنى : أرسل وأجرى البحر الملح ، والبحر العذب (يَلْتَقِيانِ) أي يتجاوران (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) أي حاجر من قدرة الله تعالى وبديع صنعه (لا يَبْغِيانِ) أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة ، وإبطال الخاصية.
قال الشهاب : يعني أنهما إذا دخل أحدهما في الآخر ، قد يجرى فيه فراسخ ، ولا يتلاشى ويضمحل ، حتى يغير أحدهما طعم الآخر ولونه ، كما نشاهده.
وقيل : المراد بحري فارس والروم ، فإنهما يلتقيان في البحر المحيط ، وبينهما برزخ من الأرض ، لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما ـ وهو مروي عن قتادة والحسن ـ قال الشهاب : لكنه أورد عليه أنه لا يوافق قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ...) [الفرقان : ٥٣] الآية. والقرآن يفسر بعضه بعضا.
واختار ابن جرير ما روي عن ابن عباس وغيره ، أنه عني به بحر السماء وبحر الأرض وذلك أن الله قال (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] ، واللؤلؤ والمرجان إنما يخرج من أصداف بحر الأرض عن قطر ماء السماء. فمعلوم أن ذلك بحر الأرض وبحر السماء. انتهى.
وفيه ما في الذي قبله من عدم موافقته لتلك الآية. والأصل في الآي التشابه.