لا حجة فيما احتجوا به. أما قول الله عزوجل (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) فحقّ. ومعنى (تَبارَكَ) تفاعل من البركة ، والبركة واجبة لاسم الله عزوجل الذي هو كلمة مؤلّفة من حروف الهجاء. ونحن نتبرّك بالذكر له وبتعظيمه ونجلّه ونكرّمه ، فله التبارك وله الإجلال منا ومن الله تعالى ، وله الإكرام من الله تعالى ومنا ، حينما كان من قرطاس ، أو في شيء منقوش فيه ، أو مذكور بالألسنة. ومن لم يجلّ اسم الله عزوجل كذلك ولا أكرمه ، فهو كافر بلا شكّ. فالآية على ظاهرها دون تأويل ، فبطل تعلقهم بها. انتهى كلامه رحمهالله.
فائدة :
فيما قاله الأئمة في سر تكرير (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
قال السيوطيّ في (الإتقان) في بحث التكرير :
قد يكون التكرير غير تأكيد صناعة ، وإن كان مفيدا للتأكيد معنى. ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين ، فإن التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكدة.
ثم قال : وجعل منه قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإنها ، وإن تكررت نيفا وثلاثين مرة ، فكل واحدة تتعلق بما قبلها ، ولذلك زادت على ثلاثة ، ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة ، لأن التأكيد لا يزيد عليها ـ قاله ابن عبد السلام وغيره ـ انتهى.
وفي (عروس الأفراح) : فإن قلت : إذا كان المراد بكل ما قبله فليس ذلك بإطناب بل هي ألفاظ كل أريد به غير ما أريد به الآخر.
قلت : إذا قلنا : العبرة بعموم اللفظ ، فكل واحد أريد به ما أريد بالآخر ، ولكن كرر ليكون نصّا فيما يليه ، ظاهرا في غيره.
فإن قلت : يلزم التأكيد؟
قلت : والأمر كذلك ، ولا يرد عليه أن التأكيد لا يزاد به عن ثلاثة ، لأن ذاك في التأكيد الذي هو تابع. أما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة ، فلا يمتنع. انتهى.
وقال العز بن عبد السلام في آخر كتابه (الإشارة إلى الإيجاز) وأما قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فيجوز أن تكون مكررة على جميع أنعمه ، ويجوز أن يراد بكل واحدة منهن ما وقع بينها وبين التي قبلها من نعمة ويجوز أن يراد بالأولى ما تقدمها