القول في تأويل قوله تعالى :
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (١٤)
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي هم جماعة كثيرة من الذين سبقوا ، لرسوخ إيمانهم وظهور أثره في أعمالهم من العمل الصالح ، والدعوة إلى الله ، والصبر على الجهاد في سبيله ، إلى غير ذلك من المناقب التي كانت ملكات لهم. (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي الذين جاءوا من بعدهم في الأزمنة التي حدثت فيها الغير ، وتبرّجت الدنيا لخطّابها ، ونسي معها سر البعثة ، وحكمة الدعوة. فما أقلّ الماشين على قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم وصحابه! لا جرم أنهم وقتئذ الغرباء ، لقلّتهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٢٦)
(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي مصفوفة ، أو مشبكة بالدرّ والياقوت أو الذهب. و (الوضن) التشبيك والنسج. (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) أي بوجوههم ، متساوين في الرتب ، لا حجاب بينهم أصلا. (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أي للخدمة (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي مبقون على سنّ واحدة لا يموتون. (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) أي حال الشرب. و (الكوب) إناء لا عروة ولا خرطوم له. و (الإبريق) إناء له ذلك. (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي خمر جارية.
ثم أشار إلى أنها لذّة كلها ، لا ألم معها ولا خمار (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي لا يصدر عنها صداعهم لأجل الخمار ، كخمور الدنيا ، والصداع : وجع الرأس. وقرئ بالتشديد من التفعل. أي لا يتفرقون. (وَلا يُنْزِفُونَ) بكسر الزاي وفتحها. أي لا تذهب عقولهم بسكرها (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) أي يختارون ويرتضون. وأصله أخذ الخيار والخير.
قال ابن كثير : وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخيّر لها ، ثم استشهد له بحديث عكراش لما أتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم بثريد ، وأقبل عكراش يخبط بيده