فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (١٢)
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً) أي أصنافا (ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) تقسيم وتنويع للأزواج الثلاثة ، مع الإشارة الإجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها. وإطلاق (الميمنة) و (المشأمة) اللتين هما الجهتان المعروفتان ، على منزلة السعداء الذين هم الأبرار والمصلحون من الناس ، وعلى دركة الأشقياء الذين هم الأشرار والمفسدون من الناس ـ أصله من تيمّن العرب باليمين ، وتشاؤمهم بالشمال ، كما في السانح والبارح ، وقولهم للرفيع : هو منى باليمين ، وللوضيع : هو منى بالشمال ، تجوّزا به ، أو كناية به عما ذكر.
وقيل : الميمنة والمشأمة بمعنى اليمين والشؤم ، فليس بمعنى الجهة ، بل بمعنى البركة وضدها ، لما عاد عليهم من أنفسهم وأفعالهم. وفي جملتي الاستفهام إشارة إلى ترقّي أحوالهما في الخير والشر ، تعجّبا منه.
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أي الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة ، بعد ظهور الحق ، وأوذوا لأجله ، وصبروا على ما أصابهم ، وكانوا الدعاة إليه.
فإن قيل : لم خولف بين المذكورين في السابقين ، وفي أصحاب اليمين ، مع أن كل واحد منهما إنما أريد به التعظيم والتهويل لحال المذكورين؟
فنقول : التعظيم المؤدي بقوله : (السَّابِقُونَ) أبلغ من قرينه. وذلك أن مؤدي هذا أن أمر السابقين ، وعظمة شأنه ، ما لا يكاد يخفى. وإنما تحير فهم السامع فيه مشهور. وأما المذكور في قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) فإنه تعظيم على السامع بما ليس عنده منه علم سابق. ألا ترى كيف سبق بسط حال السابقين بقوله : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) فجمع بين اسم الإشارة المشار به إلى معروف ، وبين الإخبار عنه بقوله : (الْمُقَرَّبُونَ) معرفا بالألف واللام العهدية؟ وليس مثل هذا مذكورا في بسط حال أصحاب اليمين ، فإنه مصدر بقوله : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) ـ أفاده الناصر ـ.
و (السَّابِقُونَ) الثاني إما خبر ، أي الذين عرفت حالهم ، واشتهرت أوصافهم على حدّ (وشعري شعري) ، أو تأكيد ، والخبر قوله :
(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أي الذين يقرّبهم الله منه بإعلاء منازلهم (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).