مدهونا بشيء من الدهن. ولما كان ذلك ملينا له محسوسا ، أريد به اللين المعنويّ ، على أنه تجوز به عن مطلق اللين ، أو استعير له. ولذا سميت المداراة والملاينة ، مداهنة. وهذا مجاز معروف ، ولشهرته صار حقيقة عرفية ، فلذا تجوز به هنا عن التهاون أيضا ، لأن المتهاون بالأمر ، لا يتصلب فيه (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أي شكر رزقكم إياه تكذيبكم به ، كفرا لنعمته ، وجحدا لمنته.
قال ابن جرير : أي وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم ، التكذيب. وذلك كقول القائل لآخر : جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ ، بمعنى جعلت شكر إحساني أو ثواب إحساني إليك ، إساءة منك إليّ.
وقد ذكر عن الهيثم بن عديّ : أن من لغة أزدشنوءة (ما رزق فلان) بمعنى ما شكر. انتهى.
وقد حمل بعضهم (الرزق) هنا على النعمة مطلقا ، والأظهر أنه نعمة القرآن ، للسياق.
وقال القاشاني : أي وتجعلون قوتكم القلبيّ ورزقكم الحقيقي ، تكذيبه ، لاحتجابكم بعلومكم ، وإنكاركم ما ليس من جنسه ، كإنكار رجل جاهل ما يخالف اعتقاده كأن علمه نفس تكذيبه. أو رزقكم الصوريّ. أي لمداومتكم على التكذيب ، كأنكم تجعلون التكذيب غذاءكم. كما تقول للمواظب على الكذب : الكذب غذاؤه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) (٨٥)
(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ) أي النفس ، لدلالة الكلام عليها (الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) أي حالة نزعه ، أو تنتظرون لفظه النفس الأخير. والخطاب لمن حول المحتضر : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) قال جمهور السلف : يعني ملك الموت أدنى إليه من أهله ، ولكن لا تبصرون الملائكة. أو لا تدركون كنه ما يقاسيه. وبعضهم فسر القرب بالعلم والقدرة. وتقدم بسط الأقوال ، وترجيح الأول في تفسير آية (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] ، في سورة (ق) فرجع إليه فإنه مهم.
وهذه الجملة معترضة ، أو حالية كالتي قبلها.