القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٩٦)
(فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) أي غير مجزيين يوم القيامة. أو مملوكين مقهورين. من (دانه) أذله واستعبده. (تَرْجِعُونَها) أي تردّون النفس إلى مقرها عند بلوغها الحلقوم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي في أنكم غير مسوسين ، مربوبين مقهورين. يعني أنكم مجبرون عاجزون تحت قهر الربوبية ، وإلا لأمكنكم دفع ما تكرهون أشد الكراهية ، وهو الموت. (فَأَمَّا إِنْ كانَ) أي الميت (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي السابقين من الأصناف الثلاثة المذكورة في أول السورة (فَرَوْحٌ) أي فله راحة (وَرَيْحانٌ) أي رزق طيب ، أو شجر ناضر يتفيأ ظلاله (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) أي يتنعم فيها مما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) قال ابن كثير : أي تبشرهم الملائكة بذلك. تقول لأحدهم : سلام لك ، أي لا بأس عليك أنت إلى سلامة ، أنت من أصحاب اليمين.
وقال قتادة وابن زيد : سلم من عذاب الله ، وسلّمت عليه ملائكة الله ، كما قال عكرمة : تسلم عليه الملائكة ، وتخبره أنه من أصحاب اليمين. وهذا معنى حسن. ويكون ذلك كقول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) الآيات [فصلت : ٣٠]. انتهى.
وقال الرازي : في السلام وجوه :
أولها ـ يسلم به صاحب اليمين ، على صاحب اليمين كما قال تعالى من قبل : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٥].
ثانيها ـ (فَسَلامٌ لَكَ) أي سلامة لك من أمر خاف قلبك منه ، فإنه في أعلى المراتب. وهذا كما يقال لمن تعلق قلبه بولده الغائب عنه ، إذا كان يخدم عند كريم : كن فارغا من جانب ولدك ، فإنه في راحة.