ومن فعل ذلك بعد ذلك ، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول ، وإخلاصه التامّ ، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق. وفي الحديث (١) : سبق درهم مائة ألف. ولا شك عند أهل الإيمان أن الصّدّيق أبا بكر رضي الله عنه ، له الحظّ الأوفر من هذه الآية ، فإنه سيّد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء ، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عزوجل ، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١١)
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال أبو السعود : ندب بليغ من الله تعالى إلى الإنفاق في سبيله ، بعد الأمر به ، والتوبيخ على تركه ، وبيان درجات المنفقين. أي : من ذا الذي ينفق ماله في سبيله تعالى رجاء أن يعوضه ، فإن كمن يقرضه. وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه ، وتحري أكرم المال ، وأفضل الجهات له. فالقرض مجاز عن حسن إنفاقه مخلصا في أفضل جهات الإنفاق. وذلك إما بالتجوز في الفعل ، فيكون استعارة تبعية تصريحية ، أو في مجموع الجملة ، فيكون استعارة تمثيلية. وقد زعم بعضهم أنها مقصورة على النفقة في القتال ، وآخرون على نفقة العيال. قال ابن كثير : والصحيح أنه أعم من ذلك ، فكلّ من أنفق في سبيل الله بنيّة خالصة ، وعزيمة صادقة ، دخل في عموم هذه الآية.
وهو جليّ ، وقد أسلفنا بيانه مرارا.
وقوله تعالى : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) أي يعطيه ثوابه أضعافا مضاعفة ، (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) أي جزاء شريف جميل. والجملة حالية ، أو معطوفة مشيرة إلى أن الأجر كما زاد كمّه ، زاد كيفه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٢)
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) أي : لكونهم على الصراط المستقيم ، متوجهين إليه تعالى. و (النور) إما حقيقيّ حسيّ ،
__________________
(١) أخرجه النسائي في : الزكاة ، ٤٩ ـ باب جهد المقلّ ، عن أبي هريرة.