٥٠] الآية. وقيل : (انْظُرُونا) بمعنى انتظرونا ، وهو الذي عول عليه ابن جرير. والمراد حينئذ من الانتظار للاقتباس ، هو رجاء شفاعتهم لهم ، أو دخولهم الجنة معهم طمعا في غير مطمع ، يقولون لهم ذلك حينما يسرع بهم إلى الجنة.
(قِيلَ) أي : قالت الملائكة أو المؤمنون ، (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) قال الزمخشري : طرد لهم ، وتهكم بهم. أي : ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هناك ، فمن ثم يقتبس. أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل سببه. وهو الإيمان. أو ارجعوا خائبين. وتنحوا عنا ، فالتمسوا نورا آخر ، فلا سبيل لكم إلى هذا النور وقد علموا أن لا نور وراءهم ، وإنما هو تخييب وإقناط لهم. وكلامه يدل على حمل النور على حقيقته. ولا مانع من أنه كنى به عن الإيمان والعمل الصالح. أي : ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا إيمانا وعملا طيبا يهديكم إلى النجاة ، كما أن النور يهدي في الظلمات ، على طريق الاستعارة. والأمر للتخسير والتنديم. وهذا ، مع ما ذكره الزمخشري رحمهالله ، وجه رابع.
ونقل الرازي عن أبي مسلم ، أن المراد من قول المؤمنين (ارجعوا) منع المنافقين عن الاستضاءة كقول الرجل لمن يريد القرب منه : وراءك أوسع لك. قال الرازيّ : فعلى هذا القول ، المقصود من قوله (ارجعوا) أن يقطعوا بأنه لا سبيل لهم إلى وجدان هذا المطلوب ، لأنه أمر لهم بالرجوع. انتهى. وهذا وجه خامس.
ثم أشار إلى امتياز الفريقين في المنازل وتباينهما فيها ، بقوله سبحانه : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) أي : بين المؤمنين والمنافقين بحائط متين ، يحجزهم عن أنوار المؤمنين ، لتتم ظلمتهم (لَهُ) أي : لذلك السور (بابٌ) أي : لأهل الجنة يدخلون منه ، ويرى به المنافقون المؤمنين ليكلموهم (باطِنُهُ) وهو الجانب الذي يلي المؤمنين (فِيهِ الرَّحْمَةُ) يعني : الجنة وما فيها من رضوان الله والنعيم المقيم (وَظاهِرُهُ) وهو الذي يلي المنافقين ، (مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) أي : من عنده ، ومن جهته الظلمة والنار.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٥)