والاستدراج (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) أي لزوال الخشية والروعة التي كانت تأتيهم من الكتابين (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي خارجون عن دينهم ، نابذون لما في كتابهم.
تنبيه :
قال ابن كثير : في الآية نهي للمؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى ، فإنهم لما تطاول عليهم الأمد ، وبدلوا كتاب الله الذي بأيديهم ، واشتروا به ثمنا قليلا ، ونبذوه وراء ظهورهم ، وأقبلوا على الآراء المختلفة ، والأقوال المؤتفكة ، وقلدوا الرجال في دين الله ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فقست قلوبهم ، وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه. ولهذا نهى المؤمنون أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية. ونظير الآية قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ ..) [النساء : ١٥٥] ، و [المائدة : ١٣] ، إلى آخرها.
القول في تأويل قوله تعالى :
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧)
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي فهو محييكم بعد مماتكم ومحاسبكم ، فلا منتدح لكم عن الجزاء. أي فاحذروا مغبة القسوة والفسق. (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) أي الحجج وضروب الأمثال (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لتثوبوا إلى عقولكم ومراشدكم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٩)
(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) أي المتصدقين والمتصدقات في سبيل الله (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ، وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) أي لتصديقهم بجميع أخبار الله وأحكامه ، وشهادتهم بحقية جميع ذلك. وقد جوز في الشهداء وجهان :
أحدهما ـ أن يكون معطوفا على ما قبله ، أخبر عن الذين آمنوا أنهم صديقون شهداء ، وهو الظاهر ، لأن الأصل الوصل لا التفكيك.