وهو مضر على أنفس الرهبان ، وعلى الشعب ، فمن يقاومه يقاوم الشيطان. وهؤلاء الرهبان لا نفع منهم للرعية ، إنما هم كالأمراء الذين يتخذون لأنفسهم قصورا خارج العمران ، فيتنعمون وحدهم في أديرتهم ، ويسلبون أموال الشعب بالحيل والمخادعات وهم كسالى بطّالون ، يعيشون من أتعاب غيرهم ، خلافا لسلوك رسل المسيح ، والمبشرين القدماء ، الذين لم نر واحدا منهم انفرد عن العالم في مكان نزهته ، واحتال بأن يعيش من أتعاب الشعب. إن بولس كان يخدم الكنائس ، ويعيش من شغل يديه ، وهو يوصي بأن الذي لا يعمل ، فلا يطعم. ولا تتسع الصحف لشرح جميع الاضرار التي وقعت على العالم بسبب الرهبنات. انتهى. وهو حجة عليهم ، منهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٨)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال ابن كثير : حمل ابن عباس هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب ، وأنهم يؤتون أجرهم مرتين ، كما في الآية التي في (القصص) وكما في حديث (١) الشعبي عن أبي بردة ، عن أبيه أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ، فله أجران. وعبد مملوك أدّى حق الله وحق مولاه ، فله أجران ، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ـ أخرجاه في الصحيحين. ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما. وهو اختيار ابن جرير.
وقال سعيد بن جبير : لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى هذه الآية في حق هذه الأمة. والظاهر أن لفظها أعم ، وأن المقصود بها حث كل من آمن بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم على الثبات في الإيمان والرسوخ فيه ، والانصياع لأوامره. ومنه ما حرض عليه في الآيات قبلها من الإنفاق في سبيله ، وسخاوة النفس فيه. وأن لهم في مقابلة ذلك أجرا وافرا ، كما قال في أول السورة : (فَالَّذِينَ آمَنُوا
__________________
(١) أخرجه البخاري في : العلم ، ٣١ ـ باب تعليم الرجل أمته وأهله ، حديث رقم ٨٢.
وأخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث ٢٤١.