أسارى بدر ، فأشار الصديق بأن يفادوا ، فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين ، وهم بنو العم والعشيرة ، ولعل الله تعالى أن يهديهم. وقال عمر : لا أرى ما رأى يا رسول الله! هل تمكنني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأقتله ، وتمكن عليّا من عقيل ، وتمكن فلانا من فلان ، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين.
الثالث ـ قال ابن كثير : في قوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى ، عوضهم الله بالرضا عنهم ، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم ، والفوز العظيم ، والفضل العميم.
الرابع ـ يفهم من قوله تعالى (حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) وقوله في آية أخرى (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] ، أن المراد بهم المحاربون لله ولرسوله ، الصادّون عن سبيله ، المجاهرون بالعداوة والبغضاء. وهم الذين أخبر عنهم قبل بأنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. فتشمل الآية المشركين وأهل الكتاب المحاربين المحادّين لنا ، أي الذين على حدّ منا ، ومجانبة لشئوننا ، تحقيقا لمخالفتنا ، وترصدا للإيقاع بنا. وأما أهل الذمة الذين بين أظهرنا ، ممن رضي بأداء الجزية لنا وسالمنا ، واستكان لأحكامنا وقضائنا ، فأولئك لا تشملهم الآية ، لأنهم ليسوا بمحادّين لنا بالمعنى الذي ذكرناه ، ولذا كان لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا ، وجاز التزوج منهم ، ومشاركتهم ، والاتجار معهم ، وعيادة مرضاهم. فقد عاد النبي صلىاللهعليهوسلم يهوديّا ، وعرض عليه الإسلام فأسلم ـ كما رواه (١) البخاري ـ.
وعلى الإمام حفظهم والمنع من أذاهم ، واستنقاذ أسراهم ، لأنه جرت عليهم أحكام الإسلام ، وتأبد عهدهم ، فلزمه ذلك ، كما لزم المسلمين ـ كما في (الإقناع) و (شرحه) ـ.
وقال ابن القيّم في (إغاثة اللهفان) في الرد على المتنطعين الذين لا تطيب نفوسهم بكثير من الرخص المشروعة : ومن ذلك أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يجيب من دعاه ، فيأكل طعامه. وأضافه يهوديّ بخبز شعير وإهالة سنخة. وكان المسلمون يأكلون من أطعمة أهل الكتاب. وشرط عمر رضي الله عنه ضيافة من مر بهم من المسلمين وقال : أطعموهم مما تأكلون. وقد أحل الله عزوجل ذاك في كتابه. ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام صنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه فقال : أين هو؟ قالوا في الكنيسة ، فكره دخولها ، وقال لعليّ رضي الله عنه : اذهب بالناس. فذهب عليّ
__________________
(١) أخرجه في : المرضى ، ١١ ـ باب عيادة المشرك ، حديث رقم ٧١٤ ، عن أنس.