تنبيهان :
الأول ـ قال الزمخشري : استدل أصحاب الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالكافر. انتهى.
وردّ الاستدلال بذلك أحد أئمة الشافعية ، وهو برهان الدين في (تفضيل السلف على الخلف) بما مثاله :
احتج بهذه الآية بعض الشافعية في مسألة قتل المسلم بالذمي ، وهذا في غاية الضعف ، لأن أحدا لم يسوّ بينهما. وإيجاب القصاص ليس بتسوية ، لأنه ما من متباينين في وجوه ، إلا وقد استويا في وجه أو وجوه. فلا يكون إيجاب القود استواء كما لا يكون إيجاب الدية والكفارة استواء. فهذا كلام من ضعف نظره في مورد الانتزاع من شواهد الفرقان. انتهى.
الثاني ـ قال أبو السعود : لعل تقديم أصحاب النار في الذكر للإيذان من أول الأمر بأن القصور الذي ينبئ عنه عدم الاستواء ، من جهتهم ، لا من جهة مقابليهم. فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين. زيادة ونقصانا ، وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد ، لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص. وعليه قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد : ١٦] ، إلى غير ذلك من المواقع وأما قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ، فلعل تقديم الفاضل فيه ، لأن صلته ملكة لصلة المفضول والأعدام مسبوقة بملكاتها. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١)
(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ) أي الجامع للمواعظ ، الموجب للنظر والتقوى بكل حال ، (عَلى جَبَلٍ) قال المهايمي أي بتفهيمه له ؛ وتكليفه بما فيه ، بعد إعطاء القوى المدركة والمحركة (لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً) أي متذللا لعظمة الله (مُتَصَدِّعاً) أي متشققا (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي مع عظم مقداره ، وغاية صلابته ، وتناهي قساوته. قال القاشاني : أي قلوبهم أقسى من الحجر في عدم التأثر والقبول ، إذ الكلام الإلهي بلغ من التأثير ما لا إمكان للزيادة وراءه ، حتى لو فرض إنزاله على جبل لتأثر منه بالخشوع