رأسا ، بقوله : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) أي من أرضكم ودياركم (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي يخرجونكم لإيمانكم بالله ، الجامع للكمالات المقتضية انقياد الناقص له ، لا سيما باعتبار اتصافه بوصف كونه ربّاكم بالكمالات ، فهي بالحقيقة عداوة مع الله.
قال ابن كثير : هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم ، وعدم موالاتهم ، لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم ، كراهة لما هم عليه من التوحيد ، وإخلاص العبادة لله وحده. ولهذا قال تعالى : (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله ربّ العالمين كقوله تعالى : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج : ٨]. وكقوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) [الحج : ٤٠] ، وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) أي هاجرتم (جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) أي للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم ، وديني الذي أمرتكم به. والتماس رضائي عنكم الذي لا ثواب فوقه ، والشرط متعلق ب (لا تَتَّخِذُوا) أي لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) أي من المودة معهم وغيرها (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) أي اتخاذهم أولياء (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي جار عن السبيل السوي الذي جعله الله هدى ونجاة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (٢)
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) أي يظفروا بكم (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) أي حربا ، ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) أي بما يسوؤكم كالقتل والشّتم ، (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) أي بما جاءكم من الحق.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣)
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) أي قراباتكم (وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) أي بإثابة المؤمنين ، ومعاقبة العاصين.
وقال القاشاني : أي لا نفع لمن اخترتم موالاة العدوّ الحقيقي لأجله ، لأن القيامة مفرقة. وهذا معنى قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) أي يفصل الله بينكم