الآية استطراد. وهو فن من فنون البيان ، مبوّب عليه عند أهله. وآية الممتحنة هذه ممكنة أن تكون من هذا الفن جدا ، فإنه ذم اليهود ، واستطرد ذمهم بذم المشركين ، على نوع حسن من النسبة. وهذا لا يمكن أن يوجد للفصحاء في الاستطراد أحسن ولا أمكن منه. ومما صدروا به هذا الفن قوله :
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه |
|
فليس به بأس ، وإن كان من جرم |
وقوله :
إن كنت كاذبة الذي حدثتني |
|
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
وقوله :
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم |
|
ونجا برأس طمرّة ولجام |
انتهى.
وكان وجه إيثاره الفرار من التأكيد إلى التأسيس ، مع أن إرادة ما أريد بأول السورة منه ، فيه من المحسنات البديعية ردّ العجز على الصدر ، تذكيرا به وتفخيما ، للعناية بشأنه. ولكل وجهة.
(قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) أي من جزائها لجحدهم بها ، ولذلك طغوا وبغوا وعاثوا. والجملة صفة ثانية (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) أي كما يئس من سلفهم من إخوانهم الكفار المقبورين. أي أنهم على شاكلة من قبلهم ، وكلّ مؤاخذ بكفره. وقيل : المعنى كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا. ففيه وضع الظاهر موضع المضمر ، تسجيلا لكفرهم ، وبيانا لما اقتضى الغضب عليهم ، ولما آيسهم. والأول أظهر.