تمنوا فريضة الجهاد عليهم ، فلما فرض ، نكل عنه بعضهم ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء : ٧٧]. وقال تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ...) [محمد : ٢٠] الآية ، وهكذا هذه الآية معناها كما قال ابن عباس : كان ناس من المؤمنين ، قبل أن يفرض الجهاد ، يقولون : لوددنا أن الله عزوجل دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ، ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين ، وشق عليهم أمره ، فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).
وقيل : كان المسلمون يقولوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لأتيناه ، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا ، فلما كان يوم أحد ، تولوا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، حتى شج وكسرت رباعيته ، فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) روي ذلك عن مقاتل بن حيّان.
وقيل : نزل هذا توبيخا لقوم من المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون. يقولون : لو خرجتم خرجنا معكم ، وكنا في نصركم ، وفي وفي ... روي ذلك عن ابن زيد.
وكلّ المروي هنا مما تشمله الآية.
وقد روى الإمام أحمد (١) عن عبد الله بن سلام قال : تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيسأله : أي الأعمال أحب إلى الله؟ فلم يقم منا أحد ، فأرسل إلينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلا فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة ـ يعني سورة الصف ـ كلها. ولفظ ابن أبي حاتم عن عبد الله بن سلام ؛ أن ناسا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : لو أرسلنا إلى رسول الله نسأله عن أحب الأعمال إلى الله عزوجل ؛ فلم يذهب إليه أحد منا ، وهبنا أن نسأله عن ذلك. قال : فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أولئك النفر رجلا رجلا ، حتى جمعهم ، ونزلت فيهم هذه السورة ـ الصف ـ قال عبد الله بن سلام : فقرأها علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلها.
__________________
(١) أخرجه في المسند ٥ / ٤٥٢.