وأيده الناصر من الوجهة البيانية بأن الأول كالبسطة العامة لهذه القصة الخاصة ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) [الحجرات : ١ ـ ٢] ، فالنهي العام ورد أولا. والمقصود اندراج هذا الخاص فيه ، كما تقول للمقترف جرما معينا : لا تفعل ما يلصق العار بك ، ولا تشاتم زيدا. وفائدة مثل هذا النظم ، النهي عن الشيء الواحد مرتين ، مندرجا في العموم ، ومفردا بالخصوص. وهو أولى من النهي عنه على الخصوص مرتين فإن ذلك معدود في حيز التكرار ، وهذا يتكرر مع ما في التعميم من التعظيم والتهويل. انتهى.
الثاني ـ في (الإكليل) : قال إلكيا الهراسي ، يحتج بقوله تعالى : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) في وجوب الوفاء بالنذر ، ونذر اللجاج. قال غيره : والوعود. انتهى.
وقال ابن كثير : هو إنكار على من يعد وعدا ، أو يقول قولا ، لا يفي به. ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا ، سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا. واحتجوا أيضا من السنة بما ثبت في الصحيحين (١) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : آية المنافق ثلاث : إذا وعد أخلف ، وإذا حدّث كذب ، وإذا اؤتمن خان. ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ).
وقد روى الإمام أحمد (٢) وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : أتانا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا صبي ، فذهبت لأخرج لألعب ، فقالت أمي : يا عبد الله! تعال أعطك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وما أردت أن تعطيه؟ قالت : تمرا. فقال : أما إنك لو لم تفعلي ، كتبت عليك كذبة.
وذهب الإمام مالك رحمهالله إلى أنه إذا تعلق بالوعد عزم على الموعود ، وجب الوفاء به. كما لو قال لغيره : تزوج ولك عليّ كل يوم كذا. فتزوج. وجب عليه أن يعطيه مادام كذلك ، لأنه تعلق به حق آدمي.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقا ، وحملوا الآية على أنها نزلت حين
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الإيمان ، ٢٤ ـ باب علامة المنافق ، حديث رقم ٣١ ، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث رقم ١٠٧.
(٢) أخرجه في المسند ٣ / ٤٤٧.