وأولوها ، فبعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم بشرع عظيم كامل ، شامل لجميع الخلق ، فيه هدايتهم ، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم ، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ، ورضا الله عنهم ، والنهي عما يقربهم إلى النار ، وسخط الله تعالى. حاكم فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب ، في الأصول والفروع ؛ وجمع له تعالى ـ وله الحمد والمنة ـ جميع المحاسن فيمن كان قبله ، وأعطاه ما لم يعط أحدا من الأولين ، ولا يعطيه أحدا من الآخرين ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين. انتهى.
وإنما أوثرت بعثته صلوات الله عليه في الأميين ، لأنهم أحدّ الناس أذهانا ، وأقواهم جنانا ، وأصفاهم فطرة ، وأفصحهم بيانا ، لم تفسد فطرتهم بغواشي المتحضرين ، ولا بأفانين تلاعب أولئك المتمدنين ، ولذا انقلبوا إلى الناس بعد الإسلام بعلم عظيم ، وحكمة باهرة ، وسياسة عادلة ، قادوا بها معظم الأمم ، ودوخوا بها أعظم الممالك. وإيثار البعثة فيهم ـ بمعنى إظهارها فيهم ـ لا ينافي عموم الرسالة ، كما قال سبحانه : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨]. وقوله : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : ١٩]. وهو ظاهر. وقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣)
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) معطوف على (الأميين). يعني : أنه بعثه في الأميين الذين على عهده ، وفي آخرين من الأميين لم يلحقوا بهم بعد ، وسيلحقون بهم ، وهم الذين بعد الصحابة رضي الله عنهم ، من كل من دخل في الإسلام إلى يوم القيامة ، كما فسره مجاهد وغيره ، واختاره ابن جرير.
قال الرازي : فالمراد بالأميين العرب ، وبالآخرين سواهم من الأمم ، وجعلهم منهم ، لأنهم إذا أسلموا صاروا منهم ، فالمسلمون كلهم أمة واحدة ، وإن اختلفت أجناسهم ، قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١] ، انتهى.
تنبيه :
قال بعض المحققين : في الآية معجزة من معجزات النبوة ، وذلك في الإخبار عن غيب وقع ، والبشارة بدخول أمم غير العرب في الإسلام قد حصل ، فقد صارت تلك الأمم التي أسلمت ، من العرب لأن بلادهم صارت بلاد العرب ، ولغتهم لغة العرب ، وكذلك دينهم وعاداتهم ، حتى أصبحوا من العرب جنسا ودينا ولغة ، وحتى