قال القاشاني : لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله ، وبما في أيديهم عما في خزائن الله ، فيتوهمون الإنفاق منهم ، لجهلهم.
(وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) أي : من بيده خزائنهما ، رازقهم منها ، وإن بخل المنافقون.
لطيفة :
قال الشهاب : قوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ ...) إلخ تعليل لرسوخهم في الفسق ، لا لعدم المغفرة. لأنه معلل بما قبله. وقوله : (عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) الظاهر أنه حكاية ما قالوه بعينه ، لأنهم منافقون مقرون برسالته ظاهرا ، ولا حاجة إلى أنهم قالوه تهكما ، أو لغلبة عليه ، حتى صار كالعلم ، كما قيل. ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة ، فغيّرها الله إجلالا لنبيه صلىاللهعليهوسلم وإكراما. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨)
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : لمكان غرورهم وجهلهم وشدة ارتيابهم.
تنبيهان :
الأول ـ قال ابن جرير : عني بهذه الآيات كلها ـ فيما ذكر ـ عبد الله بن أبيّ ابن سلول. وذلك أنه قال لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى ينفضوا. وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسمع بذلك زيد بن أرقم فأخبر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسأله عما أخبر به عنه ، فحلف أنه ما قال! وقيل له : لو أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألته أن يستغفر لك. فجعل يلوي رأسه ويحركه استهزاء ، ويعني بذلك أنه غير فاعل ما أشاروا به عليه ، فأنزل الله عزوجل فيه هذه السورة من أولها إلى آخرها.
ثم أورد ابن جرير الروايات في ذلك. وتقدمه الإمام البخاريّ ، فأسندها من طرق. ويجمعها كلها ما رواه ابن إسحاق في غزوة بني المصطلق : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لقيهم على ماء لهم يقال له (المريسيع) وأظفره الله بهم. قال : فبينا الناس على ذلك