يفنى سريعا ، وتجردوا عن الأموال بإنفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها ، ليكون فضيلة في أنفسكم ، وهيئة نورية لها ، فإن الإنفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء ، وهيئة التجرد في النفس. فأما عند حضور الموت ، فالمال للوارث لا له ، فلا ينفعه إنفاقه ، وليس إلا التحسر والتندم ، وتمني التأخير في الأجل بالجهل ، فإنه لو كان صادقا في دعوى الإيمان ، وموقنا بالآخرة لتيقن أن الموت ضروري ، وأنه مقدر في وقت معين قدره الله فيه بحكمته ، فلا يمكن تأخره.
(وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي : بأعمالكم ونياتكم. فلا ينفع الإنفاق في ذلك الوقت ولا تمني التأخير في الأجل ، ووعد التصدق والصلاح ، لعلمه بأنه ليس عن ملكة السخاء ، ولا عن التجرد والزكاء ، بل من غاية البخل وحب المال ، كأنه يحسب أنه يذهب به معه ، وبأن ذلك التمني والوعد محض الكذب ، ومحبة العاجلة ، لوجود الهيئة المنافية للتصدق والصلاح في النفس ، والميل إلى الدنيا ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام : ٢٨] والله أعلم.
تنبيه :
قال الإمام إلكيا الهرّاسي : يدلّ قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...) الآية. على وجوب إخراج الزكاة على الفور ، ومنع تأخيرها.
وأخرج الترمذي (١) عن ابن عباس قال : من كان له مال يبلغه حج بيت ربه ، أو تجب عليه فيه زكاة ، فلم يفعل ، سأل الرجعة عند الموت ، فقيل له : إنما يسأل الرجعة الكفار ، فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآنا. ثم قرأ هذه الآية.
__________________
(١) أخرجه في : التفسير ، سورة المنافقين ، ٥ ـ حدثنا عبد بن حميد.