(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) خطاب لمن آمن بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان له من أزواجهم وأولادهم من يعاديهم لإيمانهم ، ويؤذيهم بسببه ، فكان ذلك يغيظهم ، وربما يحملهم على البطش بهم. فأمروا بالحذر من فتنتهم. وشركهم فحسب ، وأن يظهروا فيهم بمظهر أولي الفضل. كما قال : (وَإِنْ تَعْفُوا) أي : عن ذنوبهم (وَتَصْفَحُوا) أي : بترك التثريب والتعيير (وَتَغْفِرُوا) أي جناياتهم بالرحمة لهم ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي يعاملكم بمثل ما عملتم.
روى ابن جرير عن إسماعيل بن أبي خالد قال : كان الرجل يسلم فيلومه أهله وبنوه ، فنزلت الآية.
وعن ابن عباس قال : كان الرجل إذا أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة تمنعه زوجته وولده ، ولم يألوا يثبطونه عن ذلك ، فقال الله : إنهم عدوّ لكم فاحذروهم واسمعوا وأطيعوا ، وامضوا لشأنكم ، فكان الرجل بعد ذلك إذا منع وثبط ، مرّ بأهله وأقسم ليفعلن وليعاقبن أهله في ذلك ، فقال الله جلّ ثناؤه : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا) الآية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٥)
(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي : تفتتن بهما النفس ، ويجري عليها البلاء بهما ، إذا أوثرا على محبة الحق.
(وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي لمن آثر طاعة الله ومحبته عليهما.
روى ابن جرير عن الضحاك قال هذا في أناس من قبائل العرب. كان يسلم الرجل أو النفر من الحيّ. فيخرجون من عشائرهم ، ويدعون أزواجهم وأولادهم وآباءهم عامدين إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فتقوم عشائرهم وأزواجهم وأولادهم وآباؤهم فيناشدونهم الله أن لا يفارقوهم ، ولا يؤثروا عليهم غيرهم ، فمنهم من يرقّ ويرجع إليهم ، ومنهم من يمضي حتى يلحق بنبيّ اللهصلىاللهعليهوسلم.
وعن مجاهد : يحمل الرجل ماله وولده على قطيعة الرحم ، أو معصية ربه ، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه به ، فلذلك وعد في إيثار طاعة الله ، وأداء حق الله في الأموال الأجر العظيم ، وهو الجنة.