تظاهران على نساء النبيّ صلىاللهعليهوسلم. فانطلقت حفصة إلى عائشة. فأسرت إليها أن أبشري ، إن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قد حرم عليه فتاته. فلما أخبرت بسر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أظهر الله عزوجل النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ...) الآيات.
وروي أيضا عن الضحاك قال : كانت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فتاة يغشاها ، فبصرت به حفصة ، وكان اليوم يوم عائشة ، وكانتا متظاهرتين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اكتمي عليّ ، ولا تذكري لعائشة ما رأيت ، فذكرت حفصة لعائشة ، فغضبت عائشة ، فلم تزل بنبيّ الله صلىاللهعليهوسلم حتى حلف أن لا يقربها أبدا ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يكفر يمينه ويأتي جاريته.
وروى النسائي عن أنس أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها ، فأنزل الله هذه الآية.
ولم يرجح ابن جرير أحد السببين المرويين في نزولها على الآخر ، بل وقف على إجمال الآية ، على عادته في أمثالها ، ولذا قال : الصواب أن يقال : كان الذي حرمه النبيّ صلىاللهعليهوسلم على نفسه شيئا كان الله قد أحله له ، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته ، وجائز أن يكون شرابا من الأشربة ، وجائز أن يكون غير ذلك ، غير أنه ، أي ذلك كان ، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالا ، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه كما كان له قد أحله ، وبين له تحلة يمينه. انتهى.
والذي يظهر لي ، هو ترجيح روايات تحريم الجارية في سبب نزولها ، وذلك لوجوه :
منها ـ أن مثله يبتغي به مرضاة الضرات ، ويهتم به لهنّ.
ومنها ـ أن روايات شرب العسل لا تدل على أنه حرمه ابتغاء مرضاتهن ، بل فيه أنه حلف لا يشربه أنفة من ريحه. ثم رغب إلى عائشة أن لا تحدث صاحبته به شفقة عليها. إلا أن يكنّ عاتبنه في ذلك ، ولم يحتمل لطف مزاجه الكريم ذلك ، فحرمه. ولكن ليس في الرواية ما يشعر به. وما زاد على ذلك فمن اجتهاد الرواة.
ومنها ـ أن الاهتمام بإنزال سورة على حدة ، لتقريع أزواجه صلىاللهعليهوسلم وتأديبهن في المظاهرة عليه ، وإيعادهن على الإصرار على ذلك ، بالاستبدال بهن ، وإعلامهن برفعة مقامه ، وأن ظهراءه مولاه وجبريل والملائكة والمؤمنون ، كل ذلك يدل على أن أمرا عظيما دفعهن إلى تحريمه ما حرم وما هو إلا الغيرة من مثل ما روي في شأن الجارية ،