الثاني ـ قال تقيّ الدين ابن تيمية : التحلة مصدر حللت الشيء تحليلا وتحلة ، كما يقال : كرمته تكريما وتكرمه ، وهذا المصدر يسمى به المحلل نفسه ، الذي هو الكفارة فإن أريد المصدر ، فالمعنى : فرض الله لكم تحليل اليمين ، وهو حلها الذي هو خلاف العقد.
ولهذا استدل من استدل من أصحابنا وغيرهم كأبي بكر عبد العزيز ، بهذه الآية على التكفير قبل الحنث ، لأن التحلة لا تكون بعد الحنث ، فإنه بالحنث ينحل اليمين ، وإنما تكون التحلة إذا أخرجت قبل الحنث لينحل اليمين ، وإنا هي بعد الحنث كفارة ، لأنها كفرت ما في الحنث من سبب الإثم لنقض عهد الله. فإذا تبين أن ما اقتضت اليمين وجوب الوفاء بها ، رفعه الله عن هذه الأمة بالكفارة التي جعلها بدلا من الوفاء في جملة ما رفعه عنها من الآصار.
الثالث ـ شمل قوله تعالى : (أَيْمانِكُمْ) تحريم الحلال المذكور قبل ، وهو الزوجة ، لدخوله فيه دخولا أوليّا ، بل كل يمين.
قال تقيّ الدين ابن تيمية في فتاويه : قوله تعالى : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) نص عام في كل يمين يحلف بها المسلمون ، أن الله قد فرض لها تحلة. وذكره سبحانه بصيغة الخطاب للأمة ، بعد تقدم الخطاب بصيغة الإفراد للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، مع علمه سبحانه بأن الأمة يحلفون بأيمان شتى : فلو فرض يمين واحدة ليس لها تحلة ، لكان مخالفا للآية. كيف وهذا عام لم تخص فيه صورة واحدة ، لا بنص ولا بإجماع ، بل هو عام عموما معنويا ، مع عمومه اللفظي؟ فإن اليمين معقود يوجب منع المكلف من الفعل ، فشرع التحلة لهذه العقدة مناسب لما فيه من التخفيف والتوسعة. وهذا موجود في اليمين بالعتق والطلاق ، أكثر منه في غيرهما من أيمان نذر اللجاج والغضب : فإن الرجل إذا حلف بالطلاق ليقتلن النفس ، أو ليقطعن رحمه ، أو ليمنعن الواجب عليه من أداء أمانة ونحوها ، فإنه يجعل الطلاق عرضة ليمينه ، أن يبرّ ويصلح بين الناس ، أكثر مما يجعل الله عرضة ، ثم إن وفي بيمينه ، كان عليه من ضرر الدنيا والدين ما قد أجمع المسلمون على تحريم الدخول فيه. وإن طلق امرأته ، ففي الطلاق أيضا من ضرر الدين والدنيا ما لا خفاء به. وأيضا فإنه تعالى قال : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وذلك يقتضي أنه ما من تحريم لما أحل الله ، إلا والله غفور لفاعله ، رحيم به ، وأنه لا علة تقتضي ثبوت ذلك التحريم. لأن قوله لأي شيء استفهام في معنى النفي والإنكار والتقدير ، لا سبب لتحريمك ما أحل الله لك ، والله غفور رحيم ، فلو كان الحالف