(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) تمثيل للضالين والمهتدين. و (المكب) هو المتعثر الذي يخرّ على وجهه لو عورة طريقه ، واختلاف سطحه ارتفاعا وانخفاضا. والذي يمشي سويّا هو القائم السالم من العثار ، لاستواء طريقه ، واستقامة سطحه.
قال القاضي : والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين ، والدينين بالمسلكين. ولعل الاكتفاء بما في الكبّ من الدلالة على حال المسلك ، للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقا. أي : فلذلك ذكر المسلك في الثاني دون الأول.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢٦)
(قُلْ هُوَ) أي المستحق للعبادة وحده ، وسلوك صراطه (الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي العقول والإدراكات (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي باستعمالها فيما خلقت له (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي خلقكم فيها لتعبدوه ، وتقوموا بالقسط الذي أمر به (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي للجزاء (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي الحشر أو الفتح على رسوله وظهور دينه (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي في الإنذار به ، والترهيب منه (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي بيّن الحجة على ما أنذركم به ، من زهوق باطلكم إذا جاء أجله. وأما تعيين وقته ، فليس إليّ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (٢٧)
(فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي : ما وعدوا به من العذاب ، وزهوق باطلهم (زُلْفَةً) أي : قريبا ، أو ذا زلفة ، أي قرب (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ظهر عليها آثار الاستياء من الكآبة والغم والانكسار والحزن (وَقِيلَ) أي لهم تبكيتا (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أي تطلبون وتستعجلون به ، من الدعاء ، أو تدّعون أن لا بعث ، من (الدعوى).
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٨)