(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) كان كفار مكة يتربصون بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ريب المنون ، تخلصا من دعوته وانتشارها ، فأمر أن يقول لهم ذلك. أي أخبروني إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين ، أو رحمنا بتأجيل آجالنا وانتصارنا ، فمن يجيركم من عذاب أليم قضى الله وقوعه بكم لكفركم؟.
قال ابن كثير : أي خلصوا أنفسكم ، فإنه لا منقذ لكم من الله إلا بالتوبة والإنابة ، والرجوع إلى دينه ، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال ، فسواء عذبنا الله أو رحمنا ، فلا مناص لكم من عذابه ونكاله الواقع بكم. والمعني بالعذاب : إما الدنيوي ، وهو خزيهم بالانتصار عليهم ، ودحور ضلالهم. أو الأخروي ، وهو أشد وأبقى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٩)
(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) أي اعتمدنا في أمورنا ، لا على ما تتكلون عليه من رجالكم وأموالكم. (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي في ذهاب عن الحق ، وانحراف عن طريقه منا ومنكم ، إذا جاء نصر الله والفتح في الدنيا ، ونشأته الثانية في الأخرى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٣٠)
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) أي غائرا لا تناله الدلاء ، أو ذاهبا في الأرض (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ؟) أي جار ظاهر سهل التناول.
قال الرازي : المقصود تقريرهم ببعض نعمه تعالى ، ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر. أي : أخبروني إن صار ماؤكم ذاهبا في الأرض ، فمن يأتيكم بماء معين؟ فلا بد وأن يقولوا : هو الله. فيقال لهم حينئذ : فلم تجعلون من لا يقدر على شيء أصلا ، شريكا له في العبودية. وهو كقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ)؟ [الواقعة : ٦٨] ، أي بل هو الذي أنزله وسلكه ينابيع ، رحمة بالعباد ، فله الحمد.