الارتقاء إلى الأفق السماوي فتتسفل ، فإنها أمور ليست بخارجة عن الإمكان ، وقد أخبر عنها أهل الكشف والعيان ، الصادقون من الأنبياء والأولياء ، خصوصا أكملهم نبيّنا محمدا صلىاللهعليهوسلم. انتهى.
وفي الآية ـ كما قال القاضي ـ دلالة على أنه صلىاللهعليهوسلم ما رآهم ، ولم يقرأ عليهم ، وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها ، فأخبر الله به رسوله.
(فَقالُوا) أي لما رجعوا إلى قومهم (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً) قال المهايمي أي كتابا جامعا للحقائق الإلهية والكونية ، والأحكام والمواعظ ، وجميع ما يحتاج إليه في أمر الدارين. (عَجَباً) أي غريبا ، لا تناسبه عبارة الخلق ، ولا يدخل تحت قدرتهم.
(يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) أي إلى الحق وسبيل الصواب (فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) أي من خلقه ، في العبادة معه.
تنبيهات :
الأول ـ هذا المقام شبيه بقوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩] الآية. وقد روى البخاري عن ابن عباس قال. انطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب! فرجعت الشياطين فقالوا : ما لكم؟ قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب! قال : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء! قال : فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنخلة ، وهو عامد إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له ، فقالوا : هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا! إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا. وأنزل الله عزوجل على نبيّه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) وإنما أوحي إليه قول الجن. ورواه مسلّم أيضا وزاد في أوله : ما قرأ رسول الله على الجن ولا رآهم ، انطلق ... إلى آخره.
الثاني ـ قال الماوردي : ظاهر الآية أنهم آمنوا عند سماع القرآن. قال : والإيمان يقع بأحد أمرين : إما بأن يعلم حقيقة الإعجاز ، وشروط المعجزة ، فيقع له العلم بصدق الرسول. أو يكون عنده علم من الكتب الأولى ، فيها دلائل على أنه النبيّ المبشر به ، وكلا الأمرين في الجن محتمل. انتهى.