تنبيهات :
الأول ـ ذهب كثير من السلف إلى وجوب قيام الليل المفهوم من الأمر به طليعة السورة ، منسوخ بهذه الآيات.
روى ابن جرير عن عائشة قالت : كنت أجعل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حصيرا يصلي عليه من الليل ، فتسامع به الناس فاجتمعوا ، فخرج كالمغضب ـ وكان بهم رحيما ـ فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ، فقال : يا أيها الناس؟ اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ، فإنه الله لا يمل من الثواب ، حتى تملوا من العمل ، وخير الأعمال ما دمتم عليه. ونزل القرآن. (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ...) الآية ، حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم ، فردهم إلى الفريضة ، وترك قيام الليل.
قال ابن كثير : والحديث في الصحيح بدون زيادة نزول هذه السورة. وهذا السياق قد يوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة ، وليس كذلك ، وإنما هي مكية. انتهى كلامه.
أقول : وبمثل هذه الرواية يستدل على أن مراد السلف بقولهم : (ونزلت الآية) الاستشهاد بها في قضية تنطبق عليها ـ كما بيناه مرارا ـ.
وأخرج أيضا عن ابن عباس قال : أمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا. فشق ذلك على المؤمنين ، ثم خفف عنهم فرحمهم ، وأنزل الله بعد هذا (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ ...) الآية. فوسع الله ـ وله الحمد ـ ولم يضيق.
وعن أبي عبد الرحمن قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قاموا بها حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ، حتى نزلت (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) فاستراح الناس.
وهكذا روي عن سعيد والحسن وعكرمة وقتادة.
قال ابن حجر في (شرح البخاري) : ذهب بعضهم إلى أن صلاة الليل كانت مفروضة ، ثم نسخت بقيام بعض الليل مطلقا ، ثم نسخ بالخمس. وأنكره المروزيّ. وذهب بعضهم إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة.
وقال السيوطيّ في (الإكليل) : قوله تعالى (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) هو منسوخ بعد أن كان واجبا ، بآخر السورة. وقيل : محكم ، فاستدل به ندب قيام الليل. واستدل به طائفة على وجوبه على النبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصة. وآخرون على وجوبه على الأمة أيضا ، ولكن ليس الليل كله ، بل صلاة ما فيه ، وعليه الحسن وابن سيرين. انتهى.
أقول : من ذهب إلى أن الأمر محكم وأنه للندب ، يرى أن آخر السورة تعليم لهم الرفق بأنفسهم ، لأنه تاب عليهم باليسر ، ورفع عنهم الآصار. وفيه ما يدل على