يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً) أي روحا وراحة (وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً) أي ماء حارّا انتهى غليانه (وَغَسَّاقاً) أي صديدا. وهو ما يخرج من جلودهم مما تصهرهم النار ، في حياض يجتمع فيها ، فيسقونه (جَزاءً وِفاقاً) أي : جوزوا بذلك جزاء موافقا لما ارتكبوه من الأعمال ، وقدموه من العقائد والأخلاق.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) (٢٩)
(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) قال القاشاني : أي ذلك العذاب ، لأنهم كانوا موصوفين بهذه الرذائل من عدم توقع المكافاة والتكذيب بالآيات. أي لفساد العمل والعلم. فلم يعملوا صالحا رجاء الجزاء ، ولم يعلموا علما فيصدقوا بالآيات.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) قال القاشاني : أي كل شيء من أعمالهم ضبطناه بالكتابة عليهم في صحائف نفوسهم.
وقال الرازيّ : المراد من قوله : (كِتاباً) تأكيد ذلك الإحصاء والعلم. وهذا التأكيد إنما ورد على حسب ما يليق بأفهام أهل الظاهر. فإن المكتوب يقبل الزوال ، وعلم الله بالأشياء لا يقبل الزوال ، لأنه واجب لذاته. انتهى.
وهو بمعنى ما نقله الشهاب ؛ أنه تمثيل لإحاطة علمه بالأشياء لتفهيمنا. وإلا فهو تعالى غني عن الكتابة والضبط. ومذهب السلف الإيمان بهذه الظواهر وتفويض تأويلها إلى الله تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) (٣٦)
(فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) أي يقال لهم ذاك ، تقريعا وغضبا وتأنيبا لهم من تخفيف العذاب ، وإعلاما بمضاعفته.
ولما ذكر وعيد الكفار ، تأثره بوعد الأبرار ، بقوله سبحانه (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) أي فوزا بالنعيم. ونجاة من النار ، التي هي مآب الطاغين (حَدائِقَ وَأَعْناباً) الحدائق