يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بدل من (يَوْمَ الْفَصْلِ) أو عطف بيان. كناية عن اتصال الأرواح بالأجساد ، ورجوعها بها إلى الحياة والحشر في الآخرة. كما قال القاشاني والشهاب.
وقال الإمام : النفخ في الصور تمثيل لبعث الله للناس يوم القيامة بسرعة لا يمثلها إلا نفخة في بوق : (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨] ، وعلينا أن نؤمن بما ورد من النفخ في الصور. وليس علينا أن نعلم ما هي حقيقة ذلك الصور : (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) أي فرقا مختلفة ، كل فرقة مع إمامهم ، على حسب تباين عقائدهم وأعمالهم وتوافقها.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) (٢٠)
(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) قال ابن جرير : أي وشققت السماء فصدعت ، فكانت طرقا ، وكانت من قبل شدادا لا فطور فيها ولا صدوع.
وقال القاضي فيما نقله الرازيّ : وهذا الفتح هو معنى قوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] ، إذ الفتح والتشقق والتفطر تتقارب ، وهذا ، كما قال ابن جرير ، متين للغاية. وتعقب الرازي له ، وقوف مع الألفاظ لا يفيد. لا سيما والأصل هو التفسير بالنظائر والأشباه.
(وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) أي رفعت من أماكنها في الهواء. وذلك إنما يكون بعد تفتيتها وجعلها أجزاء متصاعدة كالهباء. وفي الآية تشبيه بليغ. والجامع أن كلّا منهما يرى على شكل شيء ، وليس به. فالسراب يرى كأنه بحر وليس كذلك. والجبال إذا فتتت وارتفعت في الهواء ، ترى كأنها جبال وليست بجبال. بل غبار غليظ متراكم ، يرى من بعيد كأنه جبل.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً) (٢٦)
(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) أي موضع رصد ، يرصد فيه خزنتها من كان يكذب بها وبالمعاد. على أن (مِرْصاداً) اسم مكان. أو مجدّة في ترصدهم وارتقاب مقدمهم. على أنه صيغة مبالغة (لِلطَّاغِينَ مَآباً) أي للذين طغوا في الدنيا ، فتجاوزوا حدود الله استكبارا على ربهم ، منزلا ومرجعا يصيرون إليه (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) أي دهورا متتابعة إلى غير نهاية. كقوله : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [الأحزاب : ٦٥] ، (لا